Site icon IMLebanon

الهيمنة بالتعطيل

 

 

إذا كان صحيحاً أن من الأمثلة على عدم هيمنة “حزب الله” على لبنان والحكم فيه هو عدم قدرته على تغيير المحقق العدلي طارق البيطار، وعدم قدرته على التخلص من النفوذ الأميركي، فإن الأصح أن الحزب يمارس هذه الهيمنة عن طريق التفنّن بأساليب التعطيل لمؤسسات الدولة اللبنانية كوسيلة من أجل الهيمنة بفرض القرارات على السلطة مقابل تفكيك حبال التعطيل.

 

سياسة التعطيل تستند إلى قوة السلاح وهي التي تعطي الحزب القدرة على “الصبر” و”الصمود” اللذين يدعو جمهوره وحلفاءه إليهما في كل مرة ينشأ تأزم سياسي وحملات سياسية ضد مواقفه، وتدهور في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، جراء تعطيل مجلس النواب أو مجلس الوزراء.

 

التعطيل يستند إلى النفس الطويل وانتظار يأس الخصوم وتعبهم وإنهاك جمهورهم بعد إيصاله إلى الرغبة في الخلاص من الجمود القاتل. هكذا قاد تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية في العام 2014 إلى التسليم بما يريده في آخر العام 2016، لفرض من يحالفه ويقبل بتعليماته في هذا الموقع، ويتساهل مع هيمنته على القرار السياسي. وهكذا فرض بتعطيل تأليف الحكومات، تارة عن طريق مطالب حليفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وأخرى عن طريق مطالبه في التمثيل السياسي لحلفاء آخرين، أن تشكيل الحكومات التي تحمل عناصر تعطيلها بداخلها. وحين ظهر عصيان على إرادته في بعض الحكومات أو في تأليفها، لجأ إلى 7 أيار العام 2008، أو إلى القمصان السود في الشوارع في 2011.

 

لم يمارس الفرقاء المناهضون للحزب التعطيل في أي من المراحل السابقة، إما لأن لا إرادة لديهم بذلك بسبب فقدانهم البرنامج الذي يحدد الهدف من ورائه، ونظراً إلى أضراره على صورتهم السياسية أمام اللبنانيين، وخصوصاً مؤيديهم، أو لأن لا قدرة عندهم على حصد ثماره، لأن قوة السلاح والتهديد به لحماية التعطيل، غير متوفرة.

 

فضلاً عن أن إنكار الهيمنة من قبل “حزب الله” في سياق من الأمثلة التي ساقها أمينه العام السيد حسن نصر الله، يعاكس إعلان مسؤولين إيرانيين بشكل متكرر منذ سنوات، أنهم نجحوا في السيطرة على 4 عواصم عربية منها بيروت. إنه إنكار يحاول نفي فرض خيارات إقليمية على اللبنانيين في وقت يجاهر قادة الحزب بها، مثل قول رئيس كتلة الوفاء للمقاومة أول من أمس: “نفتخر أن تكون لنا علاقات مع إيران التي تناضل من أجل أن تكون ذات سيادة”.

 

إنها خيارات رفضها الجزء الأكبر من اللبنانيين منذ سنوات وتعرضوا للإكراه للتسليم بها، وقبل بها جزء آخر لسنوات لمصلحة ظرفية واهمة في السلطة والمنافع، سرعان ما تلاشت وأتت مفعولها العكسي، ثم اكتشفوا عدم قدرتهم على احتمالها، بعدما تبين أن لا نهاية للأهداف المتناسلة للمشروع الإقليمي الذي ربطوا مصالحهم به، بين مد وجزر. ما يتجاهله بعض من حلفاء الحزب، أنه مثلما جلب الانحياز إلى مخطط التوسع الإيراني، للحزب ولهم المكاسب جراء القدرة على التعطيل، فإن لدى الدول العربية المعنية برفضه ومقاومته وسائلها هي الأخرى، لوضع حد للمشروع الأوسع. وهذان الرفض والمقاومة لا بد من أن يصيبا الفرقاء المحليين الذين راهنوا عليه.

 

استمرأ الحزب قدرته على الفرض بالتعطيل طالما يحصد النتائج لمصلحة خياره الإقليمي. لكن من والوه لسنوات أدركوا أن لا حدود للاندفاع الإيراني نحو المزيد من المكاسب، قياساً إلى الخسائر التي جنوها من ردة الفعل العربية والغربية. بات إخضاع لبنان للعبة الإيرانية يجبرهم على دفع أثمانٍ أكبر بكثير من التي جنوها.

 

إذا كانت المرحلة الراهنة من تعطيل الحكومة، تقتضي رهن لبنان لنتائج معركة مأرب في اليمن لحصد نتائجها مزيداً من النفوذ في الإقليم ولبنان، وتوظيف ذلك في مفاوضات فيينا على تقاسم النفوذ لمصلحة الهيمنة الإيرانية على باب المندب والتحكم بأمن مضيق هرمز وتهديد أمن السعودية والخليج، فمن الطبيعي أن تقاوم القوى الإقليمية والدول الخليجية هذا الرهان في الميادين كافة.

 

في لبنان لطالما استثمر “حزب الله” مكاسب طهران الإقليمية بمزيد من إحكام قبضته على السلطة. لكن النقمة الداخلية أظهرت أن هناك وسيلتين لمقاومة مشروع طهران: الانتخابات النيابية بعد خمسة أشهر وتقوية عود الجيش اللبناني للإمساك بالأمن الذي يبقى اختلاله وسيلة ضغط عند الحزب.

 

في الانتخابات سيخسر الحزب قدرته على التحكم عبر المؤسسات لأن طموحات حليفه “التيار الوطني الحر” باتت الحد من الخسائر المحتمة لا أكثر. ولذلك تأجيلها هو مصلحة الحزب إذا لاءمت الظروف هذا الاحتمال. أما الجيش فإن الرسائل السياسية تتوالى إليه عبر الانتقادات المتواصلة لدعم الأميركيين له وآخرها الحملة السياسية الإعلامية ضد قيادته وأدائه بحادثة الطيونة. أما الرسائل الأمنية فلا تتوقف وآخرها إقامة مركز تدريب موقت له قبل يومين في منطقة عيون السيمان على بعد كيلومتر واحد من حاجز للجيش، على سفوح كسروان المطلة على البقاع الشمالي. والرسالة في هذا المجال تستهدف أيضاً حزب “القوات اللبنانية” وسائر القوى السياسية المسيحية.