لو لم يثمر اجتماع جدة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خرقاً ولو محدوداً في الأزمة الديبلوماسية بين المملكة ولبنان، لكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي دعا إلى جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع حتى لو لم يحضرها وزراء الثنائي الشيعي. هذا هو الانطباع الذي تركته تحركات واتصالات ميقاتي، حتى خلال لقاءاته مع رئيس البرلمان نبيه بري ومع “حزب الله” ممثلاً بمعاون الأمين العام للحزب الحاج حسين الخليل.
قد تكون إجازة الحزب لوزير الإعلام جورج قرداحي أن يستقيل أدت إلى تفادي مواجهة بينه وبين ميقاتي الذي كان بلغ مرحلة من الضيق بسياسة الحزب حيال حكومته دفعت بالأخير إلى عدم عرقلتها. وقد يكون تسهيله هذه الاستقالة خفف من احتمال حصول اشتباك سياسي بين الجانبين للمرة الأولى منذ تأليف الحكومة.
يفيد مصدر سياسي بارز أن ميقاتي لم يلبس الكفوف كعادته، حين أبلغ قيادة الحزب بأن مواقفه تعرقل الحلول المطروحة فتحول دون إيقاف التدهور في البلد وأنه يظهر على أنه لا يريد تسهيل مهمة الحكومة ويتسبب بتفاقم المشكلة مع الدول العربية ولا يعير أهمية للحاجة إلى تحسين العلاقة معها ولا يقيم وزناً لضرورة وقف تشنج الأوضاع… وأنه كان ينوي دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد من أجل اتخاذ القرارات المطلوبة في عدد من المجالات الملحة التي تحتاج إلى موقف من مجلس الوزراء.
ومن تابعوا هذه الأجواء لا يستبعدون أن يكون تجاوب الحزب مع إلحاح ميقاتي على استقالة قرداحي قد ساهم في التريث مرة أخرى في دعوة مجلس الوزراء، لا سيما أن المطالبات تتراكم على رئيس الحكومة كي يقوم بهذه الخطوة، على رغم أن رئيس الحكومة يأخذ في الاعتبار ضرورة تجنب موقف يخرق ميثاقية اجتماعات الحكومة في حال تغيب الوزراء الخمسة الشيعة عنها. فالشكوى من التعطيل، ومن الحؤول دون استقالة قرداحي، قبل هذا الموقف، كانت تأتي من خصوم الحزب ومن أوساط رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل. لكن انتقال ميقاتي من “تدوير الزوايا” إلى إبلاغ الحزب برفضه الاستمرار على هذا النهج أنتج تراجعاً عن التمسك بقرداحي، ما مكّن الرئيس الفرنسي أن يناقش مع الجانب السعودي المشكلة مع لبنان، وما دفع ميقاتي إلى التريث في الدعوة إلى الجلسة الحكومية.
لكن أمام الحكومة اختبار القدرة على التعاطي مع ما تضمنه البيان السعودي الفرنسي المشترك من عناوين تهم المملكة العربية السعودية، بناءً على ما جرى تداوله بين ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
قناعة الوسط السياسي أن تحسين العلاقات اللبنانية الخليجية يتوقف على التجاوب اللبناني الرسمي مع خريطة الطريق التي رسمها هذا البيان. المصدر السياسي البارز يرى أنه إذا كان الاتصال الثلاثي الذي جرى بين ماكرون وولي العهد السعودي وميقاتي يرمز إلى تجاوب من الرياض مع رغبة باريس بالتعاون للحؤول دون أن يصل لبنان إلى “الارتطام الكبير” في تدهور أوضاعه، وهو الموقف الدولي العام الذي يحكم تعاطي الدول الكبرى مع المأزق اللبناني، فإن الدول كافة باتت تدرك أن وضع البلد على سكة الحلول الجذرية سيكون صعباً قبل حصول تغيير في تركيبة السلطة السياسية، عبر الانتخابات النيابية ثم الرئاسية، بحيث يجري طرح العناوين السياسية الإشكالية في مسار يتطلب تسويات جديدة بعدها.
كما أن الوصول إلى تفاهمات دولية إقليمية انطلاقاً مما سينتج عن محادثات فيينا حول الملف النووي الإيراني يحدد إمكانية إثارة عناوين البيان المشترك على الصعيد اللبناني الداخلي، لأن الحزب غير مستعد لبحث أي من هذه العناوين ولا سيما احترام القرارات الدولية 1701 و1559 و1680، التي تعنى بسلاح الحزب وتحكمه بالحدود لأن ذلك مرتبط بموقف طهران. فضمان “ألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال ارهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة”، يشمل بالطبع وقف تدخل الحزب في اليمن وفي سوريا وغيرهما من الدول، والقرار في ذلك إيراني في الدرجة الأولى.
بقي أن ميقاتي يسعى إلى تفعيل ما يمكن للحكومة أن تقدم عليه بحدود ما يستطيع، إن لجهة وقف تهريب المخدرات انطلاقاً من لبنان، كما فعل ميقاتي في الاجتماع الوزاري الأمني أول من أمس، أو من زاوية تنفيذ الإصلاحات. لكن الأخيرة تتوقف على قدرة الحكومة على الاجتماع، الأمر الذي يتحكم به الحزب طالما يمانع في اجتماع مجلس الوزراء.
يصعب توقع خطوات خليجية سريعة تعيد الحوار مع لبنان، بدءاً بإعادة السفراء، قبل ظهور خطوات لبنانية واضحة، ضبط التهريب إشارة أولى إليها.