«حزب الله» الى أين؟ أو بالاحرى لبنان الى أين؟ السؤالان باتا مترابطين.
سياسات «حزب الله» وضعت لبنان في عين العاصفة، داخلياً وخارجياً، وجعلت مستقبل الوطن في المجهول. الصورة مخيفة: انقسام في الداخل، جبهة عربيّة موحّدة ضدّ لبنان، انهيار اقتصادي مستمر، تفكك المؤسسات، فقر وجوع وذل… فيما الحزب يمسك بالسلطة، يتحكّم بالقرار السياسي ويتفاخر بعضه بأنهم «أسياد» هذا البلد.
غير أن مسار الحزب ورهاناته وما قادت اليه سياساته باتت على تصادم مع تطلعات الشعب اللبناني. ولا طرف داخليا عاد قادراً على الدفاع عن مواقف «حزب الله»، بمن فيهم الحلفاء الأقربون. انسحاب سعد الحريري من الحياة السياسية، أنّى كانت أبعاده، هو أولاً انسحاب من تحت عباءة الحزب الذي يرعى الحياة السياسية الداخلية. المواقف الاخيرة لمسؤولي التيار الوطني الحر منتقدة الحزب واتفاق مار مخايل، ولو كانت ذات أهداف انتخابية، انما جاءت تعبيرا عن تململ شعبي للقاعدة العونية التي تشكل التغطية المسيحية له. ولا طرف لبنانيا يتبنّى سياسات الحزب. حتى في البيئة الشيعيّة التململ يزداد، وبات هناك تمايز بين من يقبض بالدولار (بيئة الحزب) ومن يقبض بالعملة اللبنانية.
وجاءت ورقة المطالب العربيّة من خلال الوزير الكويتي لتؤكّد أيضاً أن غالبيّة الدول العربية تقف ضدّ الحزب في رهاناته الداخلية والخارجية، وأنها لم تعد مستعدّة أن تساير لبنان طالما الحزب يسير في عدائيته للعالم العربي.
لذا السؤال: الى أين يسير «حزب الله» بلبنان؟ ما يبدو على الأرض أن للحزب رؤيته حول مستقبل الوطن وهي رؤية تتعارض مع توجّهات غالبية الشعب اللبناني. والحزب يسير في خط مواز للدولة في السياسة والاقتصاد والتحالفات الخارجية والأمن والقضاء والثقافة وغيرها.
لن نذهب الى اتهام الحزب بأنه ينفّذ أجندة ايرانية، كما يقول أخصامه. فهو أولاً ينفي ذلك وليس لنا أن نحاكمه على النوايا. فهو حزب لبناني، ناضل من أجل الوطن ودفع دماً في سبيل ذلك. كما أنه يمثّل شريحة لبنانية واسعة. قد تكون عقيدته تتعارض مع عقائد الاحزاب اللبنانية الأخرى، لكن له الحق في ذلك. فالنظام السياسي اللبناني يسمح للأحزاب بأن تتبنّى ايديولوجيات قد تختلف مع دستور الدولة اللبنانية، كمثل الحزب الشيوعي أو الحزب القومي وغيرهما. كما يسمح نظامنا السياسي للأحزاب بأن تناضل من أجل تحقيق أهدافها بالطرق الديمقراطية السلمية. ويسجّل للنظام السياسي في لبنان أنه لم يقمع أي حزب في تاريخه طالما هو يحترم القانون العام، كما أن الدستور اللبناني يسمح لكل العائلات الروحية بأن تعيش ايمانها وعقائدها بحرية تامة.
اذاً المشكلة مع «حزب الله» ليست في ايديولوجيته السياسية المرتبطة بالجمهورية الإسلامية انما في أنه يريد فرض رؤيته للوطن على المكوّنات الاخرى. هو يتصرّف وكأنه صاحب القرار من دون الأخذ بالاعتبار مواقف الطوائف الأخرى من سنّية ومسيحيّة ودرزية. هو يعطّل عمل الحكومة حين يريد، وقبلها عطّل عمل مجلس النواب ومنع المسار الدستوري لانتخابات رئاسة الجمهورية. وها هو يضغط لتعطيل السلطة القضائية. هذا يعني أنّ عجلة الدولة قد توقّفت وتوقّف مسارها الدستوري والقانوني وتعطّل انتظام المؤسسات. وليس غريباً في هذه الحال أن نصل الى حال سقوط الدولة التي لم يبق منها سوى هيكل شبيه بهيكل مرفأ بيروت المدمّر.
كنا نتساءل لماذا لا يضغط «حزب الله» في اتجاه اصلاح الدولة وتسيير شؤون البلاد، ولماذا يغطّي فساد حلفائه، فهل هو يسعى الى اسقاط الدولة ليقيم على أنقاضها دولة اخرى؟ ففي حال سقوط نظام لبنان الديمقراطي التعددي وقيام نظام «حزب الله» مكانه، فهل يحقّ للحزب حينها أن يعترض على قيام مقاومات ضدّه بدأت ملامحها بالظهور في الداخل والخارج؟ وهل تبقى حجّته قويّة في تقديم نفسه على أنه مقاومة وأنه يمثّل شريحة كبيرة من اللبنانيين؟ هل يستطيع حينها أن ينفي أنه لا ينفّذ اجندة خارجية تقود الى تحويل لبنان ورقة على طاولة المفاوضات الجارية في المنطقة؟
يمسك الحزب الآن بالسلطة كما كانت نخب المارونية السياسية بعد الاستقلال او كما فعلت السنية السياسية مع اتفاق الطائف. غير انّ المارونية السياسية يمكنها ان تتفاخَر بأنها بنت وطناً لجميع اللبنانيين شبّهوه بسويسرا الشرق ووصفه وزير الخارجية الكويتي بالأمس بأنه كان «أيقونة العرب». والسنيّة السياسيّة مع رفيق الحريري أطلقت مشاريع اعادة الاعمار رغم كل الملاحظات على ذلك، وأعادت لبنان الى اهتمامات الدول العربية والغربية. فأي نموذج يقدّم «حزب الله»؟ هل يستطيع الدفاع عن العزلة التي تسبّب بها للوطن بغير تصويرها بأنها مؤامرة؟ هل يستطيع ان يتفاخر بأنه حَمى منظومة من الفاسدين سرقت أموال الدولة وتعب الناس وقادت الشعب الى الجوع؟
قد تذكّر سياسة الحزب الحالية بسياسة منظّمة التحرير الفلسطينية التي سعت الى وضع اليد على لبنان، وبسياسات النظام السوري الذي استخدم لبنان ورقة يساوم عليها ويحتمي من خلالها. وقد أدّت التجاوزات الفلسطينية والهيمنة السورية الى قيام معارضات داخلية ضدّهما، وتسبّبت بحروب تدميرية في الداخل واتسعت الى مراكز القرار العالمية.
انّ سياسة الحزب الحالية تؤسّس لنزاعات داخلية عميقة، سياسية أولا وأمنيّة لاحقا. وهذا من شأنه أن يهدّد بنية لبنان ونظامه وتركيبته ويفتح الباب أمام التدخلات الخارجية وحينها لن يكون هناك مِن منتصر في الداخل.
ان الجبهات الخارجية التي يناضل فيها الحزب لا تهمّ الشعب اللبناني، والدعاية التي يسوّقها اعلامه لتبرير حروبه ومعاداته لدول الخليج لا تقنع أحدا. ان «حزب الله»، مع ما يمثّله من ثقل شعبيّ وأمنيّ وسياسيّ، مدعو اليوم قبل فوات الأوان الى أن يقدّم مشروعاً يجمع حوله اللبنانيين ويعيد بناء الدولة ويعطي الأمل للشعب اللبناني بغد أفضل ويُبعد شبح الانقسامات والحروب الداخلية. يفترض ان تكون هذه المعركة الأخيرة لـ«حزب الله» فيسجّل له التاريخ معركة تحرير لبنان من الاحتلال إلاسرائيلي ومعركة إعادة بناء الدولة وتوحيد الشعب.