ضاق الزمان على لبنان بفعل حكامه، لا بالضغوط العربية والدولية عليه لإستعادة الزمن الجميل. وإنتهت لعبة التشاطر السلطوي لتبرير العجز أمام الأمر الواقع والتسليم له والتواطؤ معه لمصالح ضيقة. ولا معنى لرد ملتبس على مذكرة واضحة “كويتية خليجية عربية ودولية” حملها وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر الصباح. فالمسألة هي مصير لبنان، لا مجرد علاقاته العربية والدولية. وإطباق المشروع الإقليمي الإيراني عليه ليس قدراً لا يُرد. أبسط سؤال معلّق فوق رؤوس المسؤولين وغير المسؤولين هو: لماذا يسمحون بإيذاء لبنان واللبنانيين لدعم إنقلاب على حوار وطني وتسوية في اليمن قام به الحوثيون حاملو إيديولوجيا ثيوقراطية لإعادة الإمامة بعد أكثر من نصف قرن على الثورة والجمهورية؟ وأغرب موقف هو الهجوم على الدول العربية في لبنان “عربي الهوية والإنتماء”.
ولا مهرب من المواجهة بين مشروعين: مشروع تطبيق الطائف وتجدد لبنان الحرية والفكر والفن، ومشروع لبنان الآخر الذي يلغي هوية البلد وجوهره وتاريخه. مواجهة تحتاج الى دعم عربي ودولي للبنانيين في حالين معاً: إذ كيف يحاور العرب إيران من أجل حسن الجوار، ويعاقبون لبنان بسبب الهيمنة الإيرانية عليه؟ وكيف يديرون الصراع مع المشروع الإيراني للهيمنة على العالم العربي أو أقله لحكم أربع عواصم عربية، ويتركون اللبنانيين وحيدين على الجبهة الأمامية للمشروع وقاعدة الدور الإقليمي الذي يلعبه “حزب الله” بسلاح جاء على اسم المقاومة للعدو الإسرائيلي؟
لا شيء يوحي أن السلطة تتبصر في تحديات الحالتين. ولا السلطة التي ليست سلطة تبدو مرتبكة. فمن لا يقلقهم عذاب اللبنانيين في الجحيم الذي قادوهم إليه، لا تُربكهم مذكرة تضعهم أمام ساعة الحقيقة. والمسؤولون الذين في واجهة السلطة يعرفون أنهم في المناصب، لا في السلطة. لكن الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين مضطرون لمخاطبتهم، وهم يعرفون أن أهل الحل والربط والسلاح هم السلطة الفعلية.
وتلك هي المفارقة. فالمطلوب من السلطة الشكلية ضبط السلطة الفعلية وتسلم سلاحها الذي هو سلاح “جيش المهدي”، ومن رافضين الطائف تطبيق كل بنوده، ومن العائشين على الفساد والمحاصصة والسطو على المال العام والخاص إجراء الإصلاحات التي تسد مزاريبهم. والحجة الشائعة هي أن سلاح “حزب الله” الذي على أرض لبنان ويحمله لبنانيون ينتمون الى حزب عقائدي من مذهب واحد ومرتبط بولاية الفقيه “مسألة إقليمية ودولية”. لا بل إن منطق من يتحالف مع “حزب الله” هو أنه قد يختلف معه على أمور داخلية لكنه معه في القضايا الإستراتيجية. وليست القضايا الإستراتيجية سوى الدور الإقليمي للسلاح والعمل لمشروع ولاية الفقيه والتي هي مبرر وجود “حزب الله”.
لبنان طلب الوساطة. والأشقاء فتحوا له نافذة فرصة على أمل ألا يغلقها تشاطر المسؤولين. وعسى ألا ينطبق على البلد المعذب قول أوسكار وايلد: عندما تريد السماء معاقبتنا، فإنها تستجيب صلواتنا”.