IMLebanon

هل يكون حزب الله «أم الصبي»؟

 

يبدو أن الرد اللبناني على المذكرة الخليجية، المدعومة عربياً ودولياً، لم يكن على المستوى المطلوب من المسؤولية والجدية التي يجب أن تتحلى بها دولة مطوقة بسلسلة من الأزمات الداخلية المستعصية، وتُعاني من فقدان صداقاتها الخارجية التقليدية، وهي بأمسّ الحاجة لمساعدة الأشقاء والأصدقاء للخروج من جهنم الإنهيارات المتتالية.

 

لم يعد خافياً أن «الرد الديبلوماسي» صيغ بأفكار وبعبارات من الماضي، ولا علاقة لها بالأحداث والتطورات الساخنة التي تجتاح الإقليم، والتي أصبح لبنان طرفاً فيها، ولم تعد شطارة أهل الحكم، وتجاهلهم المتذاكي، تنفع في تبريد مواقف الدول الخليجية المتضررة من مشاركات فصيل لبناني مسلح في إضطرابات المنطقة.

 

بيت القصيد في المذكرة الخليجية تنفيذ بنود القرار الدولي ١٥٥٩ والذي ينص على نزع سلاح الميليشيات في لبنان، بما يشمل ذلك سلاح حزب الله. إثر صدور هذا القرار عن مجلس الأمن الدولي في الثاني من أيلول عام ٢٠٠٤، طلبت الدولة اللبنانية من المراجع الدولية المعنية إعتبار هذه الإشكالية مسألة داخلية، يمكن معالجتها على طاولة الحوار الوطني، وبالتالي إعطاء لبنان فرصة للتوصل إلى الإجراءات المطلوبة. تعددت طاولات الحوار، وتشعبت موضوعاتها، دون التوصل إلى قرارات حاسمة، إلى أن تولى الرئيس ميشال سليمان إدارة جولة أخيرة من الحوار في عهده أسفرت عن توافق المشاركين على بنود «إعلان بعبدا» الذي نص على تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، عبر سياسة النأي بالنفس، ووضع إستراتيجية دفاعية تؤدي إلى حصر السلاح وقرار الحرب والسلم بالدولة وأجهزتها الأمنية.

 

تنصّل حزب الله من الإلتزام بمضمون إعلان بعبدا، وخروجه للمشاركة في الحرب السورية، ثم التمدد بإتجاه العراق وصولاً إلى اليمن، أسقط مقولة الجانب اللبناني بأن مسألة السلاح هي قضية داخلية، كما ضرب سياسة النأي بالنفس، التي سبق للبنان أن إعتمدها في عهود ما قبل الحرب اللبنانية، وكانت من أهم عوامل تحقيق سنوات الإستقرار والإزدهار في الستينات حتى أواسط السبعينات من القرن الماضي.

 

الكلام اللبناني عن مسؤولية تنفيذ القرار ١٥٥٩يقع على الجهات الدولية التي إتخذت هذا القرار، غير واقعي، ويُعتبر تهرباً من المسؤولية السيادية للدولة اللبنانية، لأن مثل هذا الكلام يعني تدخلاً دولياً في شأن داخلي، سواء عبر إنعقاد مؤتمر دولي، أو من خلال اللجوء إلى قوة دولية لتنفيذ ما تعجز عنه الدولة اللبنانية، وفي الحالتين لا أحد يستطيع أن يتكهن بتداعيات مثل هذه الخطوة ومضاعفاتها على الوضع الداخلي الهش أصلاً.

 

ولكن كيف سيتجنب لبنان الدخول في فصل جديد من الخلافات مع الدول الخليجية، طالما أن الرد اللبناني لم يكن بالمستوى المطلوب، وحاول التهرب إلى الأمام من خلال قذف مسؤولية تنفيذ القرار الدولي إلى الجهات الدولية؟

 

الواقع أن عجز الدولة اللبنانية التي تُعاني من ضعف متزايد في قرارها المركزي، مقابل تنامي قوة حزب الله وهيمنته على مفاصل القرار الرسمي، فضلاً عن حالة الإنهيار التي تُعاني منها البلاد والعباد، يُحمّل الحزب مسؤولية مضاعفة، إن لجهة تهدئة العلاقة مع الدول الخليجية، أو في إطار إعادة النظر بإستراتيجيته، في فترة أحوج ما يكون فيها لبنان إلى مرحلة إلتقاط الأنفاس، بعد سقوط أكثر من ٨٠ بالمئة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر.

 

الحزب الذي قدم التضحيات من أجل تحرير الجنوب من الإحتلال الإسرائيلي، لا يستصعب تقديم بعض الخطوات، حتى لا نقول تنازلات، لتحقيق الإختراق المنشود ليس على صعيد الوضع المتدهور داخلياً وحسب، بل أيضاً بالنسبة للعلاقات اللبنانية مع الأشقاء العرب، والخليجيين خاصة، دفاعاً عن مصالح لبنان العليا، التي تتكامل مع مصلحة الوطن في تحرير الأرض من المحتل الإسرائيلي.

ad

 

المطلوب من الحزب أن يكون بمثابة «أم الصبي» في التعاطي مع الأوضاع المتأزمة داخلياً وخارجياً، ويُقدِم على طرح المبادرات التي من شأنها إيجاد المخارج المناسبة لتجاوز البلد حقول الألغام المحيطة به من كل حدب وصوب.

 

هل يستطيع حزب الله أن يكون «أم الصبي» ويعطي الأولوية لمواطنيه اللبنانيين، المقيمين والمغتربين، على مواطني بلدان أخرى؟