IMLebanon

خطوة لـ«حزب الله» أبعد من الانتخابات؟

 

على رغم تأكيد «حزب الله» أنّه متمسّك بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها وأنّه غير متخوّف من نتائجها، انطلاقاً من الأرقام الانتخابية من جهة ومن أنّ الغالبية النيابية إذا خسرها لن تتمكّن من قلب المعادلة الميثاقية التوافقية من جهةٍ ثانية، إلّا أنّ هذا التأكيد لا يقنع جهات سياسية معارضة تعتبر أنّ «الحزب» سيخسر أكثريتين: النيابية عامةً والمسيحية خصوصاً، وبالتالي لا مصلحة له بإجراء الانتخابات. كذلك تعتبر جهات أخرى أنّ تطيير «الحزب» للانتخابات هدفه أبعد من هذا الاستحقاق الدستوري، إذ إنّ هناك تحرُّك محلي – عربي – دولي يستهدف سلاح «الحزب»، وبالتالي قد يعمد الى قلب الطاولة على الجميع قبل أن تنقلب الأمور عليه.

في هذا الإطار، كان لافتاً البيان الصادر عن «لقاء سيدة الجبل»، خلال الأسبوع المنصرم، بعد اجتماعه الدوري، بحيث نبّه «حزب الله» مباشرةً من «أي مغامرة عسكرية أو أمنية لإسقاط الدعم العربي والإقليمي والدولي لاستعادة سيادة لبنان كما فعل سابقاً في 7 أيار عام 2008»، وحذّره من «أي تهوُّر لقلب الطاولة على رؤوس الجميع لأنّ الآتي يُنذر بأن الأمور ستنقلب على هذا الحزب بوصفه حزباً إيرانياً يُمسك بقرار لبنان بقوة السلاح».

يأتي هذا التحذير، بحسب النائب السابق الدكتور فارس سعيد، إنطلاقاً من وقائع متتالية خلال الأشهر الأخيرة، بدءاً من الاجتماع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي تناول لبنان ضرورة تنفيذ «اتفاق الطائف» وقرارات الشرعية العربية والدولية ومن ضمنها القرار 1559، الى المبادرة الكويتية (العربية بتنسيق دولي)، التي أتت بالمبادئ نفسها كذلك القرار 1559، ثمّ أصدر مجلس الأمن بياناً دعا فيه الى تطبيق القرار 1559، وبالتالي فهِم «الحزب» تماماً أنّ هناك قراراً سياسياً لجعل القرار 1559 مادة سياسية ليس فقط في لبنان إنّما أيضاً للاستقرار العربي والعالمي، بحسب سعيد. إذ لحماية مطار ابو ظبي أو «أرامكو» السعودية، بنظر العرب، يجب تطبيق الـ1559، أي لا سلاح في يد «حزب الله». وفي المقابل لا ضمانة لـ«الحزب» الّا إبقاء السلاح بيده.

وبالتالي، وفق «لقاء سيدة الجبل»، إنّ «الحزب» لن ينتظر أن تقع السماء على رأسه وسيحاول أن يوقع السماء على رؤوس الجميع قبل ذلك». من هنا يحذّر من 7 أيار جديدة. ويذكّر سعيد بأنّه «بعد 7 أيار 2008، جرى الحديث فقط عن قضية الكاميرات، فيما أنّه في عام 2008، عُقد أول مؤتمر لـ14 آذار، وكان ناجحاً جداً حيث جرى تقديم وثيقة سياسية تقول إنّ الخلاف مع «حزب الله» يتجاوز السياسة وهو من طبيعة ثقافية، ونحن نحب الحياة وهو يحب الموت. ثمّ أتى الديبلوماسي الأميركي ديفيد ولش الى لبنان في 4 نيسان 2008، وقال: «إذا كانت 14 آذار تريد أن تنتخب رئيساً للجمهورية بأكثرية النصف زائدا واحدا، فأنا آتٍ لأبلّغ أنّ الإدارة الأميركية تدعم هذا التوجُّه».

ويضيف سعيد: «حين رأى «حزب الله» مؤتمراً لـ14 آذار يضمّ 1500 كادر متجاوزين الاحزاب والطوائف أتوا الى هوية سياسية إسمها «14 آذار» ووثيقة سياسية بالغة الخطورة، ودعم أميركي مطلق لانتخاب رئيس بالنصف زائدا واحدا، إفتعل قصة الكاميرات ووفيق شقير (رئيس أمن المطار حينها) واجتاح بيروت في 7 أيار، و«قلب السما على راسنا»، وبدلاً من أن نأتي برئيس بالنصف زائدا واحدا جِيء برئيس كان حينها على تفاهم معه، وبدلاً من «اتفاق الطائف» أتينا الى اتفاق الدوحة وانتزع «الحزب» الثلث المعطّل».

إنطلاقاً من هذه الوقائع، يشير سعيد الى أنّ هناك تبدّلا هائلا في المنطقة حول «حزب الله» الآن، وإصرارا على اتهامه بأنّه يشكّل حال عدم استقرار في لبنان وأنّ سلاحه يجب أن يكون بيد الدولة من خلال تنفيذ الدستور و«اتفاق الطائف» وقرارات الشرعية الدولية. لذلك، لن ينتظر «حزب الله» أن تقع السماء على رأسه وسيفتعل شيئاً ما لكي يستدعي الاطراف الذين يطالبون بتنفيذ الـ1559 الى طاولة حوار، وهذا لا يجري «عالبارد»، بحسب سعيد، وذلك وفق التجارب التاريخية، إذ إنّ التعديلات الدستورية في لبنان لم تحصل مرّة «عالبارد»، فقاعدة الـ6 و6 مكرّر التي أرساها الرئيس فؤاد شهاب أتت بعد ثورة عام 1958، والتعديلات التي أُدخلت الى الدستور و«اتفاق الطائف» أُقرّت بعد 120 ألف قتيل، و«اتفاق الدوحة» والثلث المعطّل أُنجزا بعد 100 قتيل في بيروت.

هذا التخوُّف يسخر منه «حزب الله» معتبراً أنّه «تفنيصَة». في المقابل ترى جهات أنّ لبنان مقبل على وضع جديد، خصوصاً إذا تقرّر التصعيد على أرضه، وألغيت الانتخابات أو أُجّلت، إذ إنّ هذا الأمر يعني مواجهة مع المجتمع الدولي وليس فقط اللبناني، وبالتالي ستترتّب عنه تداعيات وجودية وكيانية.

كذلك يحذّر مسؤولون في حزب «القوات اللبنانية» من محاولة «الحزب» وحليفه «التيار الوطني الحر» تطيير الانتخابات التي ستكون نتائجها خسارتهما الغالبية النيابية. إلّا أنّ مصادر في «القوات» تركّز على أنّها لا تتهم فريقاً محدداً بمحاولة تطيير الانتخابات إنطلاقاً من معطيات معيّنة، بل إنّها تحذّر بشكل مطلق من أي محاولة لتطييرها، وذلك انطلاقاً من الطعن الذي قدّمه «التيار» في قانون الانتخاب خصوصاً لجهة اقتراع المغتربين والذي على رغم أنّه بات نافذاً بعد «لا قرار» المجلس، يُحكى عن أنّ هناك سعياً الى محاولة طرحه مجدداً في جلسة تشريعية.

لذلك إنّ «القوات» تؤكد أنّ موقفها المحسوم هو ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها، وعلى جميع الأطراف أن يلتزموا المواعيد الدستورية. أمّا عن افتعال «الحزب» حدثا أمنيا ما لتطيير الانتخابات كما يتخوّف البعض، فتقول مصادر «القوات»: «لكلّ حادث حديث، ولن نسمح بأي محاولة لتطيير الانتخابات».

إنطلاقاً من مواقف الأفرقاء المتنوّعة، تُطرح أسئلة تفتح الى أسئلة أكبر أبعد من الاستحقاق الانتخابي: هل إنّ «حزب الله» أو أي فريق آخر قادر على تطيير الانتخابات، وتجاوز الإرادة الشعبية، خصوصاً أنّه في حال لم تحصل الانتخابات قد يلجأ الناس الى التغيير في الشارع؟ وهل هو قادر على تجاوز موقف القوى السياسية التي قد تستقيل من مجلس النواب وبالتالي أخذ الوضع الى فراغ مؤسساتي نتيجة قرار التمديد فيصبح البلد في وضعية سياسية مختلفة؟ كذلك هل هو قادر على تجاوز الموقف الدولي في ظلّ تحذيرات بدأت من مجلس الأمن الى عواصم القرار تشدّد على إجراء الانتخابات في موعدها؟ ومن هذه الاسئلة يتفرّع السؤال الاساس: هل باتت إعادة إنتاج نظام جديد أو تركيبة أخرى في لبنان جاهزة لتُطرح من بوابة تطيير الانتخابات؟ هذه الفرضيات كلّها، بحسب جهات سياسية، مرهونة بمفاوضات فيينا والاتفاق النووي فضلاً عن مدى جدية العرب والغرب بوضع سلاح «الحزب» على الطاولة، وعلى الهامش مصير ترسيم الحدود البحرية والمفاوضات مع إسرائيل.