Site icon IMLebanon

كلا، ليس حزب الله

 

 

كل الأنظار تتجه إلى 15 أيار أي الإنتخابات النيابية التي تعتبر مفصلية بوجهة نظر التغييريين، ولكن في حقيقة الأمر هي تفصيل صغيرة في المشهد المفصلي الأكبر الذي سوف تتضح ملامحه بعد حين والمرتبطة بنتائج مؤتمر فيينا ونتائج الحرب الروسية والحرب اليمنية. لا شك أن هذه الإنتخابات تختلف عن الإنتخابات السابقة شكلاً ومضمونًا ومع إختلاف السياق التاريخي والإجتماعي والحالة الإقتصادية مقارنةً مع سابقاتها، ولكن الخطاب السياسي الإنتخابي لم يتغير كثيرًا ولكنه زاد تشددًا وتوحشًا تجاه قضية سلاح حزب الله، متهمين إياه أنه السبب الرئيسي في إنهيار البلاد على كافة المستويات وأنه المسؤول عن كل الإرهاصات، وهذا الخطاب أصبح السلاح المستخدم من قبل معظم المرشحين كرافعة سياسية للسنّة تحديدًا.

 

لا شك أن حزب الله هو أحد أعمدة الفساد في الدولة اللبنانية وهو من يحمي كل المحاصصات والتقاسم وكان من الذين وقفوا في وجه إنتفاضة 17 تشرين وهو من الذين دافعوا عن حكومة العهد وهو من يعرقل التحقيق في قضية تفجير المرفأ وغيرها من قضايا حساسة إضافةً إلى تخريبه للعلاقات مع الدولة العربية وعلى رأسهم الخليجية، ولكن وبالرغم من كل تلك الأمور إلا أن حزب الله ليس المسؤول عما وصلت إليه الطائفة السنّية من تصحّر فكري وإنكفاءٍ سياسي واضمحلالٍ على مستوى المؤسسات.

 

من يقرأ كتاب جوستاف لوبون «سيكولوجية الجماهير» يدرك كيف الخطاب السياسي يؤثر على الجمهور وهو قادر على التأثير باللاوعي الجماعي وإستثارة العواطف،وكان نابليون مبدعاً في هذا المجال حيث نسف نضال عشر سنوات في الثورة الفرنسية بخطابٍ واحدٍ وخطف منهم شعاراتهم مثل الحرية والمساواة وغيره. هذا تمامًا ما تقوم به القيادات السنّية عبر رفع شعارات معاداة حزب الله من أجل تحفيز الناس على إنتخابهم واللعب على وتر خطف الهوية، لا شك أن الهوية في خطر ولكن ليس بسبب حزب الله، إن النزاع هو طبيعة بشرية وفطرة إنسانية تنعكس على الحالة السياسية وهذا ما يقوم به حزب الله، ولكن بعيدًا عن العواطف والشعارات التي تسيطر على اللاوعي الجمعي، كلنا نعلم أنه ليس حزب الله المسوؤل عما وصلت إليه الطائفة السنّية.

 

كلا، ليس حزب الله من أسقط تيار المستقبل الذي كانت بنيته التكوينية لا تحمل هوية واضحة، تارةً هويته ليبرالية وعلمانية، وتارةً هو تيار سني وتارةً تيار عابر للطوائف والمناطق، ضياع الهوية أدى إلى سقوط التيار سياسًا، طبعًا إضافةً إلى التسويات وعلى رأسها التسوية الرئاسية وقانون الإنتخابي المسخ، ليس حزب الله من أوصل ميشال عون إلى الرئاسة وليس حزب الله من قام بصفقات في بلدية بيروت والكهرباء وغيره.

 

كلا، ليس حزب الله من أضعف دار الفتوى كصرحٍ وطني وسنّي قوي جامع للجميع ولكل مكونات المجتمع اللبناني، دار الفتوى اليوم تعاني من مشاكل عدة وعلى رأسها إدارة الأوقاف وصندوق الزكاة وأزمة مالية وأزمة مشايخ، إن من يسمون أنفسهم قيادات السنّة هم من ساهموا في تراجع دور الدار وتحويل الجامع من دوره الرسالي إلى دوره الوظيفي.

 

كلا، ليس حزب الله من أضعف المقاصد تلك المؤسسة العريقة حيث قامت بإغلاق الكثير من مدارسها وتغيير هويتها الإسلامية إلى اللاهوية، من تولى رئاستها منذ السبعينات؟ هل حزب الله؟ من أغلق المدارس وأغرقها في أزمة مالية خانقة غير أبناء الطائفة أنفسهم؟

 

من أدى إلى حالة التصحر التي تعاني منها الطائفة اليوم على المستوى السياسي والفكري؟ من حارب كل النخب السياسية وهمَّش دورهم وسعى إلى تسكير البيوت السياسية التقليدية؟ كل تلك الإسئلة أجوبتها واضحة، من ضرب البنية التحتية للطائفة السنّية ليس حزب الله إنما الضعف والوهن والجبن للقيادات السنّية التي أوصلت الطائفة إلى تلك الحالة المزرية. ولكن رغم ذلك المشهد الصعب إلا أن الطائفة تتمتع بطاقاتٍ فكرية وشبابية قادرة على أن تنهض بالبلد وبالطائفة، ولكن علينا أن نخرج من الخطابات الشعبوية التي تأسر عقولنا ووجداننا إلى خطاباتٍ بنّاءة وقادرة على مواجهة الصعاب والتحدي دون أي شحن لا قيمة له في عملية النهوض والصحوة.