يركّز «حزب الله» على عبور استحقاق الانتخابات النيابية بنجاح بل بـ»تفوُّق»، محققاً أهدافه: الحفاظ على الغالبية النيابية، الفوز بالمقاعد النيابية الـ27 المخصّصة للشيعة كلّها ودعم حلفائه للحفاظ على وجود وازن في مجلس النواب. فبذلك يُمسك «الحزب» بورقة «الميثاقية» شيعياً كذلك بالميثاقية عامةً من خلال حلفائه المسيحيين والسنة والدروز، وبالتالي يعزّز حيثيته ودوره ووجوده في الدولة ويُمكنه «السيطرة» دستورياً إذا أراد فتكون له الكلمة الفصل في تأليف الحكومات وانتخاب رئيس الجمهورية وإقرار القوانين.
يرى «الحزب» أنّ دفة ميزان الحسابات والأرقام الانتخابية تميل لصالحه، لكنّه على رغم ذلك لا يتعامل مع هذه العملية الدستورية باستخفاف، بل يركّز كلّ ثقل ماكينته وخطابه وتصريحات مسؤوليه وتحرُّكه شعبياً، لتأمين أكبر مشاركة واقتراع في الانتخابات تصبّ لصالحه وتُثبت شرعيته الشعبية والسياسية والدستورية. في المقابل يركزّ معارضو «الحزب» على ضرورة أن تكون هذه الانتخابات المفصلية، وهي الفرصة الوحيدة المتاحة الآن، «بوابة الخروج من حُكم «حزب الله» وحلفائه وسيطرتهم على الدولة وتدميرهم البلد بكلّ مؤسساته وقطاعاته، وإلّا سيطول البقاء في جهنم الذي يحترق اللبنانيون بنارها الآن في ظلّ حُكم هذا الفريق السياسي».
ويرى هؤلاء أنّ «حزب الله» ليس مرتاحاً بل إنه متوتر ويتهيّب الانتخابات لأنّه الاستحقاق الأول الذي يشعر أنّه سيفتك به كأكثرية، وذلك نتيجة الوضع الذي وصل إليه البلد. فللمرة الاولى نرى «الحزب» يعقد اجتماعات ويركّز على الإطلالات مع الكوادر، وذلك لأنّه يخاف من الوضع الذي يتجه إليه نتيجة الواقع المالي والنقدي والاقتصادي، ويخشى من عدم الاقتراع والتصويت، وهذا هاجسه الأول الآن».
كذلك يسأل البعض: ما الذي يُمكن لـ«حزب الله» أن يفعله بعد الانتخابات ولم يحققه قبلها، علماً أنّ الغالبية النيابية في يده منذ عام 2018، ويُعتبر المُمسك بالسلطة مع حلفائه منذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2019 إثر «ثورة 17 تشرين»، خصوصاً أنّ «الحزب» يخوض الانتخابات مع الفريق الحاكم نفسه أي حركة «أمل» و»التيار الوطني الحر»؟ وبالتالي، ما الذي سيستطيع إنجازه هذا الفريق الثلاثي في حال فاز بالغالبية النيابية فيما أنّ البلد يعيش أزمة غير مسبوقة منذ نحو ثلاث سنوات ويشارف على السقوط، في ظلّ امتلاك هذا الفريق الأكثرية؟
بالنسبة الى «الحزب» إنّ الكلام عن أنّه يُمسك بالبلد مبالغ فيه، وقد يصح بالمعنى النفسي لأنّ «الحزب» «القوة الأقوى»، لكن عملياً هو لا يمسك بالبلد وغير قادر على تحقيق كلّ ما يطمح إليه، ويقول قريبون من «الحزب»: «على سبيل المثال، حين تحدثنا عن إنشاء إيران محطتي كهرباء في لبنان «قامت الدنيا ولم تقعد» وأحد لم يتجرأ على قبول هذا العرض».
على رغم ذلك، لا يبدو أنّ سعي «حزب الله» الى الحفاظ على الغالبية النيابية هدفه «الحُكم بمفرده»، ويعتبر أنّ البلد محكوم بالتوافق، فـ»هذا لبنان»، أمّا الغالبية فيستخدمها «حين يُضطر في قوانين أو مراسيم أو موقف سياسي ما، وليس فقط للحكم بل بالسياسة عالقطعة، ولمصلحة التحالف مع «أمل» و«التيار». وبالتالي سيسعى «الحزب» الى حكومات ائتلافية يشارك فيها الجميع وستعود «حكومات الوحدة الوطنية» إذا رغب الفريق الآخر في ذلك. وعن طريقة الحكم بعد الانتخابات مع الأفرقاء أنفسهم، يقول القريبون من «الحزب»: «حين يكون شعارنا الاصلاح ومكافحة الفساد فمن يدخل معنا سيتحمّل مسؤوليته». أمّا عن مرحلة ما بعد الانتخابات، وكيف سيختلف ما بعد 15 أيار المقبل عمّا قبله، إذا بقيت الطبقة السياسية نفسها هي الحاكمة ومن ضمنها «حزب الله»، فيعتبر القريبون من «الحزب» أنّ «المرحلة المقبلة يجب أن تتصدّرها ثلاثة عناوين على مستوى البلد كلّه وليس «حزب الله» فقط، ويجب أن تكون أساس عمل الحكومة المنبثقة من مجلس النواب الجديد، وهي:
– البدء فعلياً بمحاربة الفساد وبناء دولة حقيقية.
– البدء جدياً بالتنقيب عن النفط والغاز.
– التفاوض مع صندوق النقد.
وتعتبر هذه المصادر أنّ هذه العناوين الثلاثة تغلق «حنفية» السرقة وتدخل أموالاً الى البلد.
وعندما يُسأل «حزب الله» عن طريقة مكافحة الفساد فيما أنّه مع حلفائه متهمون بالفساد من قبل البعض، يقول: «ليظهروا أي دليل على ضلوعنا بالفساد، أمّا محاربته فيجب أن تُترجم عملياً بأن يكون القضاء كما يجب أن يكون أي «أعمى»، فحتى إذا كان الفاسد من «الحزب» يجب أن يتوقف». أمّا عن التفاوض مع صندوق النقد، في ظلّ الحديث عن أنّ المجتمع الدولي سيتخلّى عن لبنان في حال فاز «حزب الله» بالغالبية النيابية، فضلاً عن اعتبار البعض أنّ «الحزب» يرفض شروط الصندوق وبالتالي يعرقل الاتفاق معه، توضح المصادر نفسها أنّ «صندوق النقد يطلب إصلاحات ونحن مع الإصلاحات لكن ليس إخضاع البلد لشروط تعجيزية، فعلى سبيل المثال إنّ المس بالقطاع العام ليس هذا وقته في ظلّ أزمة اقتصادية تطاول جميع الموظفين المدنيين والعسكريين». وتؤكد أنّ «الحزب» ليس ضدّ المجتمع الدولي وصندوق النقد، وهو جزء من نسيج هذا البلد، وهو يملك الاكثرية النيابية الآن ويجري التفاوض مع «الحزب» وبالتالي لا تغيير بعد الانتخابات لهذه الجهة».
ويرى «الحزب» أنّ معارضيه الذين يتهمونه بأنّه لا يريد الانتخابات هم من باتوا متخوّفين من نتيجتها، ويشير الى أنّ حملتهم وتعويلهم على نتيجة الانتخابات تراجع سقفهما تدريجاً، «إذ إنّهم انطلقوا من أنّهم يريدون الغالبية النيابية وأن ينزعوها من «الحزب»، ثمّ انتقلوا الى هدف الخرق شيعياً بمقعد لإثبات أنّ «الحزب» لا يمثّل جميع الشيعة، بعدها بدأوا التركيز على الإتيان بكتلة وازنة في مجلس النواب تضمّ «بقايا المجتمع المدني» الى جانب حزبي «القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» وخصوم «التيار الوطني الحر»، فيحصل هؤلاء على نحو 45 مقعداً نيابياً، وبالتالي لا يُمكن اتخاذ أي قرار من دون مراجعتهم والوقوف عند رأيهم. ثمّ تراجعوا الى القول إنّهم سيحمّلون «الحزب» مسؤولية الأزمة إذا حصل على الغالبية، وهم أساساً يحمّلوننا مسؤولية الأزمة منذ ان شارَكنا معاً في حكومات الوحدة الوطنية كذلك بسبب العقوبات الاميركية وموضوع الكهرباء.. ويريدون الاستمرار في ذلك. ويتركّز منطقهم الآن على أنّ «غَيري ما عمل» و»حزب الله» يتحمّل المسؤولية». ويعتبر «الحزب» أنّ «الوضع استثنائي، ومهما كانت نتيجة الانتخابات أحد لا يمكنه أن يحكم بمفرده».