يخوض «الحاكم بأمره» الانتخابات تماماً كما تخوض المافيا معركة سيطرتها على شوارعها. ممنوع التفلُّت من قبضته الحديدية، وممنوع الاعتراض والتراخي والسماح بأي تردد لحظة ارتكاب الجرائم الموصوفة، وغالباً بحجة الدفاع عن النفس.
الشعار الحقيقي للحزب «الحاكم بأمره» وحلفائه هو «نفِّذ ولا تعترض». أما الشعارات الأخرى فهي عدة الشغل.
المهم النتيجة مهما كانت الأثمان والتضحيات.
وهكذا يندمج المسار ويتداخل في عملية اختصار طائفة بأكملها واستثمار بمفعول رجعي لفعل المقاومة التي لم تكن لتحصل لولا الشعب في الجنوب، اذ حينذاك لم يكن يملك «حزب الله» ترسانته الحالية، ولم يكن قد درَّب جيشه الخارج عن الشرعية، ولم يكن يملك الإمكانات المالية التي لديه حالياً بفضل مهاراته على أكثر من صعيد لا علاقة للشفافية والقوانين بها.
ومع هذا حصل التحرير بإرادة الناس وليس بفائض السلاح أو حجة مظلومية الطائفة لتبرير الاعتداء على الآخرين من شركاء الوطن، لينكفئ دور أي مواجهة مع العدو الإسرائيلي بعد ذلك، باستثناء «حرب تموز» التي لا بد سيكشف التاريخ ملابساتها، وعما إذا كانت انتصاراً الهياً أو بروباغندا إعلامية لتغطية مغامرة «لو كنت أعلم»، إذا ما تم تشغيل المنطق، ان لجهة الخسائر المادية او عدد الضحايا او الجهود الدبلوماسية الجبارة التي بذلتها الدولة اللبنانية بقيادة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة حينذاك، بغية التوصل الى القرار 1701، الذي يثبت بدوره ان الشروط التي فرضت على لبنان تؤكد انه الخاسر وليس الرابح، ان لجهة تسليم منطقة الجنوب للجيش اللبناني، او إبقاء منطقة جنوب الليطاني خالية من السلاح.
ولا يمكن إغفال ما ورد في الكتاب الذي أصدره السنيورة وذكر فيه ان رئيس مجلس النواب نبيه بري طلب إليه التعجيل في الحصول على القرار 1701 لأن «حزب الله» لم يعد يستطيع الصمود لأكثر من ثلاثة أيام.
وبالطبع، كل حقيقة تصبح عدماً، ليبدأ الجهاد بأروع تجلياته في المحاصصة والفساد وتحويل المال العام إلى مشاع من مشاعات الدولة التي تمت مصادرتها لصالح جيوب المجاهدين من محاسيب المنظومة، وتحديداً من خلال مؤسسات رسمية تحت السيطرة تنوء بتوظيفات تنفيعية.
ومع ذلك، كل ما يهم إذا لم تتوفر الظروف لنسف الانتخابات، هو «جرعة العزة والكرامة» التي لا يتحملها الرافضون موت لبنان على أيدي هذه المنظومة التي يديرها «الحاكم بأمره».
المهم تأمين «الجرعة» ليستشعر المترددون والمشككون والحائرون حيال فرصة النهل من ينابيع فائض العزة والكرامة، لأنه في غياب الأمان الاقتصادي والاجتماعي وفي فلتان الجريمة وتفشي الأمراض النفسية التي تفاقم ظاهرة الخروج عن القانون، لا بد من هذه «الجرعة» وفق مبدأ «انفخ عليها تنجلي»..
لا بد من «هذه الجرعة»، للانتصار الإلهي على المؤامرة الكونية التي تموِّل المتآمرين من «عملاء الداخل» بملايين الدولارات، مع ان العلامة الفارقة الوحيدة تتجلى في قدرة المافيا وحلفائها المعلنين والباطنيين، دون سواهم، على حث الناخبين للقيام بواجبهم بـ»الفريش دولار»، الظاهر من خلال المهرجانات لإطلاق الماكينات الانتخابية وبطاقات الإعاشة وبونات المازوت والبنزين واستعراضات سد المسيلحة.. و..و.
وبالطبع لا يستوي الوفاء للمقاومة الا من خلال «الأمر الجهادي» الذي يعيد المنظومة الحالية ويحقق دولة قوية وعادلة، لا فائض سلاح فيها ولا معامل كبتاغون ولا سيطرة للمافيا على المطار والمرفأ والمعابر البرية ولا تبييض أموال، ولا التزام واستزلام للاحتلال الذي يقِّر الحزب «الحاكم بأمره» ويعترف بأنه مموله ومرجعه وسيده.