يحتاج محور الممانعة في لبنان إلى الكثير من الخطوات من أجل تثبيت وضعه في المعادلة السياسية اللبنانية، ولتجاوز ما يعتبره الخطر عليه وعلى موقعه المتفوق في لبنان في السنوات الأخيرة ولا سيما خلال سنوات عهد الرئيس ميشال عون.
ما يعتبره العمود الفقري في هذا الفريق أي «حزب الله»، خطراً على رغم كل الاعتداد بالنفس بأن الجمهور المؤيد للمقاومة وسلاحها سيكون رافعة له في الانتخابات في وجه ما يسميه محاولات الأميركيين أخذ لبنان إلى التطبيع مع إسرائيل عبر البرلمان الجديد هو أن يتحول هذا البرلمان الجديد إلى مجموعة كتل نيابية متناثرة بحيث لا يحصل أي فريق على أكثرية واضحة ومحققة.
فالحزب يدرك على رغم خطابه التعبوي الهادف إلى شيطنة خصومه الذين ارتفعت أصواتهم ضد هيمنته على القرار السياسي، عبر اتهامهم باللهاث وراء الأميركيين للالتحاق بموجة التطبيع العربي مع إسرائيل، أن لا أحد في لبنان في وارد هذا التطبيع، وأن ليس أي من القيادات اللبنانية المعارضة في هذا الوارد. بل ان بعضاً من خصومه لا يتوانى عن انتقاد تطبيع بعض الدول العربية مع الدولة العبرية. لكن الحزب يتقصد التعامي عن هذا الواقع عن سابق تصور وتصميم من أجل استنهاض جمهوره ضد الخطر الوهمي، كي يستنفره ويأخذه إلى صناديق الاقتراع ليصوت للوائحه وحلفائه ضد هذا الوهم.
كل الهدف هو تلافي خطر فقدان القدرة على السيطرة على أكثرية واضحة، بعدما ضعفت قدرة حليفه الأول على كسب العدد نفسه من النواب. والدليل إلى أن هذا هو لُب المشكلة قول رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أنه سيحاسب الذين وصلوا على «أكتافنا» للنيابة عام 2018 ثم تَرَكُوا تكتل لبنان القوي. هو يمنن بعض النواب المستقلين الذين تحالفوا مع «التيار» ثم انسحبوا منه بعد ثورة 17 تشرين لكثرة ما اشمأزوا من ممارساته ومن سياسات العهد الالتحاقية بالحزب ومحور الممانعة. ينسى من كثرة حنقه على هؤلاء، أنهم بالقدر الذي استفادوا من أصوات مناصري التيار في العام 2018 استفاد التيار من أصوات هؤلاء المستقلين الذين لهم حضورهم وجمهورهم وأنصارهم فرفدوا لوائحه بأصوات ساهمت في رفع حواصلها الانتخابية وبالتالي في إيصال نواب في التيار أيضاً. تلك الأصوات ستكون في الجهة المقابلة في انتخابات 2022.
ويدرك «حزب الله» أن حليفه الأساسي الذي اعتمد عليه منذ انتخاب الرئيس عون بات يفتقد إلى المساندة التي تلقاها ليس فقط من هؤلاء المستقلين، بل من تحالفه مع تيار «المستقبل» في عدد من الدوائر في المرحلة الذهبية من التعاون بين التيارين البرتقالي والأزرق، حيث جيّر الأخير أصواتاً سنية على قلتها في بعض الدوائر ذات الأكثرية المسيحية.
ومع أن الحزب ينفي أنه يدير المعركة الانتخابية في مناطق غير الدوائر ذات الأكثرية الشيعية، من أجل إبعاد «الشبهة» بأنه يلعب دوراً مخططاً له في الدوائر السنية والمسيحية كي لا يثير حساسية الجمهور المسيحي خصوصاً، فإنه يراقب تفاصيل الثغرات التي تواجه حلفاءه المسيحيين، ويحاول تجميع نائب من هنا وآخر من هناك، وإسقاط نائب خصم هنا أو هناك، للتعويض عن الخسائر المرتقبة لحليفه المسيحي الأساسي لعله يتفادى تعدد الكتل وتشتتها في البرلمان الجديد. وهو لو لم يكن يخشى تناقص الكتل النيابية الحليفة لما بذل جهداً من أجل ترتيب اجتماع بين باسيل ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية على رغم أن ما بينهما أكثر مما صنعه الحداد. فقراءة الحزب أن هناك إمكانية لإسقاط مرشح لحزب «القوات اللبنانية» إذا حصل تعاون بين حليفيه المتخاصمين. تقوم محاولته على معادلة المصلحة المشتركة في إسقاط مرشح لـ»القوات» في دوائر الشمال. وإذ تردد أن اجتماع باسيل فرنجية لم يكن الأول بينهما، فإن وساطة الحزب تقتصر على التعاون ضد مرشحي «القوات» كخصم مشترك لهما وللحزب معاً.
بصرف النظر عن التسريبات التي تتم إشاعتها عن أن تشتت الأصوات السنية بعد عزوف زعيم «المستقبل» سعد الحريري عن الترشح للانتخابات، سيستفيد منها الحزب وحلفاؤه، ليست ثابتة كما يتصور البعض، فإن افتراضات تفوّق محور الممانعة باتت مدار تشكيك في بعض الأوساط المتابعة لتغييرات المزاج السني والمسيحي. وهو ما يجعل صورة نتائج الانتخابات مجهولة.
سيلجأ الحزب إلى إضافة عنصر جديد بعد عودة سفيري السعودية والكويت وليد بخاري وعبد العال القناعي إلى بيروت، وعودة دول الخليج إلى لبنان، إلى خطابه التعبوي لجمهوره.