بحسب النظام البرلماني اللبناني، تشكّل الانتخابات النيابية مدخلاً الى إنتاج السلطة كاملةً، فتسمية شخصية لرئاسة الحكومة تجري بعد استشارات نيابية ملزمة لرئيس الجمهورية، وأي حكومة تُشَكّل تحتاج الى ثقة مجلس النواب، فيما يجري انتخاب رئيس للجمهورية بأكثرية ثلثي مجلس النواب. إنطلاقاً من ذلك، يأتي سعي مختلف الأطراف الى تعزيز حضورهم النيابي من خلال الانتخابات، لتعزيز موقعهم وكلمتهم في تشكيل الحكومات والانتخابات الرئاسية. ولذلك يستخدم «حزب الله» كلّ أوراقه التحالفية والشعبية وخدماته وخطاباته للحفاظ على الغالبية النيابية، إذ يشدّد المسؤولون فيه متوجّهين الى جمهوره على أنّ أهمية المقاعد النيابية للوصول الى رئيس وحكومات ليست ضدّ «المقاومة» ومع «مصلحة الأميركيين».
بالتوازي، يستبق «حزب الله» نتيجة الانتخابات، معلناً أنّه مع حكومة وحدة وطنية ومع التوافق على رئيس للجمهورية، وفق ما قال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد. موقف «حزب الله» هذا الداعي الى التوافق بعد 15 أيار المقبل، يأتي بحسب مصادر سياسية معارضة، استباقاً لنتيجة الانتخابات في حال خسر الأكثرية، خصوصاً أنّه يمسك أقلّه بورقة الميثاقية شيعياً، إذ إنّه وحركة «أمل» أمّنا المقاعد النيابية الـ27 المخصّصة للشيعة، التي من الصعب خرقها، وفي حال خُرقت وهذا احتمال ضعيف جداً، فلن يتعدّى ذلك مقعداً أو اثنين.
كذلك، وبحسب المصادر المعارضة، إنّ «حزب الله» يعرف أنّه لا يمكنه أن يحكم بمفرده، وهو لم يتمكّن من ذلك سابقاً، فكيف في ظلّ الأزمة الخطيرة المستفحلة التي تكاد ان تقضي على الدولة، وهو يريد أن يحافظ على خيط من العلاقات الخارجية، على رغم من توجهاته الأخرى، ويريد حكومة ورئيساً يغطّيانه، ولا يعمّقان من محاصرته وعزلة البلد. الى ذلك، ووفقاً للمعطيات والوقائع القائمة، بات من الصعب الاتيان برئيس للجمهورية من فريق 8 آذار، على رغم من أنّ كلّاً من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ورئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية يُمنيان النفس بالكرسي الرئاسي، وذلك لاعتبارات عدة، منها ما يتعلّق بوضع هذا الفريق وكلّ شخصية، فباسيل مُدرج على لائحة العقوبات الأميركية ويفتقد الى امتدادات أو علاقات خارجية تساعده في الوصول الى الموقع الرئاسي، فضلاً عن أنّ كتلته النيابية قد تتراجع، وفي هذه الحال يفقد ورقة «الكتلة المسيحية الأكبر»، كذلك من المتعذّر الوصول الى «اتفاق معراب» ثانٍ ساهمَ في انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، فيما لا إجماع لدى القوى المسيحة على اسم باسيل، عدا عن أن ليس جميع أفرقاء «محور الممانعة» يؤيدون باسيل، والخصومة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لا «تمحوها» التحالفات الانتخابية.
وفي حين أنّ فرنجية لا يعاني هذه المشكلات كلّها، الّا أنّه بدوره لا إجماع مسيحياً على اسمه، ولن يحوز على أكبر كتلة نيابية مسيحية، ويُعتبر «أصيلاً» في محور 8 آذار. و«التوافق» الذي يتحدث عنه «حزب الله» رئاسياً، يعني أن لا رئيس للجمهورية من فريق 8 آذار. إذ لانتخاب رئيس للجمهورية يجب أن يكون لأي طرف أكثرية الثلثين في مجلس النواب وليس النصف زائداً واحداً، وأي طرف غير قادر على أن يحصل على أكثرية الثلثين، التي لم تنوجد حتى في «زمن 8 و 14 آذار» بحسب المصادر نفسها، وهي مستحيلة، لذلك إنّ انتخاب رئيس للجمهورية يتطلّب توافقاً. من هنا أتت دعوة «حزب الله» الى هذا التوافق، والتوافق يعني الاتيان برئيس للجمهورية ليس من 8 آذار، والّا لا يكون هناك أي توافق بل خلاف، فضلاً عن أنّ «المعارضين» وحتى الخارج لن يقبلوا برئيس من الفريق نفسه الذي وصل البلد في عهده الى أسوأ أزمة في تاريخه.
وانطلاقاً من أنّ موقف «حزب الله» المُعلن ليس الذهاب الى تغيير النظام، بل إنّه يحتاج الى «التوافق» في النظام الحالي. وكان نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم قد أعلن في مقابلة أخيراً، أنّ «مشروع «حزب الله» هو التَشارك مع الجميع وحكومة وحدة وطنية وليس لديه أي مشروع لتغيير النظام أو ما يطرحه للتعديل». وفي حين رأى قاسم أنّ «الحديث عن رئاسة الحكومة وتأليفها لا يمكن التطرّق إليه إلّا بعد إجراء الإنتخابات النيابية، كذلك إنّ الحديث عن استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية مُبكر وسابق لأوانه»، مشيراً الى «أنّنا بعد الإنتخابات النيابية سنرى المشهد ونبني موقفنا على أساسه»، شدّد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد على أنّ «أحداً لا يُمكنه الحكم وحده، حتى لو طال رأسه السماء، فطبيعة لبنان وتركيبته الطائفية تفرض التوافق»، ورأى أنّه بالنسبة الى انتخاب الرئيس «من مصلحة الجميع التوافق عليه».
ويأتي التركيز على الغالبية النيابية أولاً، وبعدها على شكل الحكومة واسم رئيس الجمهورية ومواصفاته وتموضعه، لـ«التغيير» في البلد ومن داخل النظام. وفي المواقف الأخيرة لـ»حزب الله»، في هذا الإطار، دعا رعد أمس الى «إعادة النظر على الصعد كافة في لبنان، من خلال المشاركة في الإستحقاق الإنتخابي». وقال: «نحن في حاجة الى إعادة النظر في سياساتنا الأمنية وأجهزتنا الأمنية والقضاء وتأهيل القضاة، والى اعتماد سياسة حماية داخلية وخارجية، وسياسة دفاع تعتمد على الذات، وعلى المعادلة التي أرسيناها بعد أن أثبتنا جدواها في التصدي للتكفيريين وللصهاينة الغزاة، معادلة الجيش والشعب والمقاومة».
وفي إطار الخطاب نفسه، قال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسين الحاج حسن: «في هذه الانتخابات عين خصومنا على الأكثرية ليتحكّموا بتسمية رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، ونحن بدورنا سنعمل في هذه الانتخابات للحصول على الأكثرية لنبني وطناً تتحقّق فيه الشراكة الحقيقية وليس الاستئثار لمصلحة الأميركيين». ورأى أنّ «الأميركي يريد ترسيم حدودنا البحرية كما تريد إسرائيل، ويريد من لبنان أن يتجه نحو التطبيع وتوطين الفلسطينيين ويمنع عودة النازحين السوريين الى بلدهم».
وبالتالي بعد 15 أيار، تأتي المعركة على الحكومة والرئاسة في إطار «الحرب» على الترسيم والخيارات السياسية وملف النزوح والعلاقات والسياسات الخارجية و»إعادة النظر في السياسات والأجهزة». هذا في حال عدم الرغبة أو حلول وقت «تغيير النظام»، لكن بما أنّ أي فريق بحسب الأرقام الحالية، لا يمكنه أن يأتي بمفرده برئيس للجمهورية، وهناك حاجة الى توافق، هل هناك من سيمنح «حزب الله» فرصة جديدة لإعادة إنتاج سلطة، وبأي ثمن؟