اذا كانت نتائج الانتخابات النيابيّة اللبنانيّة اثبتت شيئا، فهي اثبتت رفض اللبنانيين باكثريتهم الساحقة سلاح «حزب الله» والسير في «محور الممانعة» الذي جاء بميشال عون وصهره جبران باسيل رئيسين للجمهوريّة. لدى لبنان، منذ انتخاب مرشّح «حزب الله» رئيسا للجمهورية، ثنائي رئاسي بدل ان يكون هناك رئيس واحد للبلد يلعب دورا في الجمع بين اللبنانيين بدل اخذهم إلى «جهنّم» على حد تعبير ميشال عون نفسه.
كشفت الانتخابات انّ اللبنانيين ما زالوا يقاومون ما يسمّى «المقاومة» وأنّهم يمتلكون وعيا سياسيا أكبر بكثير مما يعتقد. ليس سهلا تحقيق مثل هذا الإنتصار على «حزب الله» في ظلّ قانون انتخابي وضع أصلا على قياس الحزب وحلفائه… أو على الأصحّ ادواته.
على هامش الانتخابات اللبنانية، ثمّة ملاحظات قد يكون مفيدا ايرادها. في مقدّم هذه الملاحظات الضربة القويّة التي تلقاها رئيس «التيّار الوطني الحر» جبران باسيل الذي كان يأمل بتكرار تجربة انتخابات العام 2018 وأن يضع نفسه على رأس اكبر كتلة نيابية في لبنان. كان يأمل بان يجعل منه ذلك مرشحا طبيعيا لرئاسة الجمهوريّة بحجة انّه المسيحي الأقوى. صارت أحلام جبران باسيل وطموحاته في مزبلة التاريخ. لم يستطع حسن نصرالله الأمين العام لـ»حزب الله» ان يفعل له الكثير في مجال زيادة حجم كتلته النيابيّة، أو اقلّه تحقيق توازن بينه وبين سمير جعجع رئيس حزب «القوّات اللبنانية» الذي بات يمكن اعتباره المنتصر الأوّل في الانتخابات.
اصبح سمير جعجع، خصوصا بعد فوز النائب أنطوان حبشي في منطقة تعتبر معقلا من معاقل «حزب الله»، رمزا للمقاومة اللبنانيّة الحقيقيّة للإحتلال الإيراني. سيكون لـ»القوات اللبنانيّة» كتلة من 22 أو 23 نائبا من اصل 128، لكن السؤال الذي سيطرح نفسه بقوّة في كلّ وقت ما الذي يمكن عمله بكتلة بهذا الحجم في ظلّ هيمنة «حزب الله» على مؤسسات الدولة اللبنانيّة؟
كافأ اللبنانيون «القوات اللبنانيّة» على مواقفها من سلاح «حزب الله». في هذا المجال، لا يمكن تجاهل الشعور بالإمتنان في الأوساط الشعبيّة المسيحية والسنّية والدرزية، وحتّى لدى الشيعة الذين يمتلكون وعيا سياسيا وحسّا وطنيا لبنانيا، عندما وقفت «القوات اللبنانية» في وجهة الهجمة التي شنّها الحزب على حي عين الرمّانة المسيحي. حدث ذلك في تشرين الأوّل – أكتوبر من العام الماضي. كانت احداث عين الرمّانة، قرب بيروت، تطورا صنع فارقا في النظرة إلى سمير جعجع و «القوات اللبنانيّة» على الصعيدين اللبناني والعربي بعدما تبيّن أن هناك من هو على استعداد للدخول في مواجهة مباشرة مع «حزب الله» الذي بات الطرف المهيمن على البلد في ظلّ غطاء مسيحي لسلاحه غير الشرعي وفّره له ميشال عون وجبران باسيل.
سبق للدروز بزعامة وليد جنبلاط ان تصدّوا لـ»حزب الله» لدى محاولته غزو الجبل في ايّار – مايو 2008. كانت لديهم وقفة تاريخية في الدفاع عن ارضهم. هذا ما يفسّر الإلتفاف الذي حصل حول وليد جنبلاط الذي أراد «حزب الله» تقزيم دوره اللبناني عن طريق اقتسام النواب الدروز معه. لا شكّ ان رسوب اشخاص مثل طلال أرسلان ووئام وهّاب ضربة قويّة للحزب المسلّح الذي كان يستهدف من القانون الإنتخابي الذي وضعه اختراق الطوائف الأخرى بعدما ضمن وضع اكثرية الشيعة تحت جناحيه. في كلّ ما فعله الحزب، كانت لديه حسابات خاطئة، خصوصا في محاولته استغلال حال التشرذم التي تعاني منها الطائفة السنّية التي ما لبثت ان التقطت أنفاسها وأثبتت حضورها عبر اقبالها على صناديق الإقتراع في كلّ لبنان وفي بيروت على وجه التحديد.
هناك جبهة لبنانيّة عريضة تحتاج إلى تنسيق بين أعضائها المنتمين إلى نادي استعادة لبنان من الاحتلال الإيراني. ليس سمير جعجع الوحيد بين المسيحيين في الوقوف في وجه «حزب الله»، بكل ما يمثلّه، هناك أيضا «الكتائب اللبنانية» ورئيسها سامي الجميّل والتي اثبتت وجودها على الأرض. هناك مستقلّون من طينة الدكتور فارس سعيد الذي يمثّل حالة خاصة على الصعيد الوطني، خصوصا اذا اخذنا في الإعتبار وضوحه وشجاعته في التعبير عن فكر سياسي بعيد عن أي غرائز مذهبيّة، فكر يسمّي الأشياء باسمائها.
مؤسف انّه لا يزال في لبنان مسيحيون يصوّتون لمرشّحي «التيار العوني» الذي غطّى إنهيار النظام المصرفي وسلاح «حزب الله» والعزلة العربيّة للبنان وتفجير مرفأ بيروت. هؤلاء المسيحيون عار على لبنان وعلى كلّ القيم التي سادت في هدا البلد والتي جعلت منه في الماضي دولة مزدهرة. كيف يمكن لمسيحي لبناني التعاون مع حزب مسلّح ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني وتغطية ممارساته؟
في النهاية، كانت الانتخابات النيابيّة هزيمة لـ»حزب الله» الذي مارس كلّ أنواع القمع من اجل احتكار التمثيل الشيعي في البلد. كيف سيردّ على هذه الهزيمة؟ الجواب انّه سيسعى إلى تكريس الفراغ على كلّ المستويات تحت شعار «السلاح يحمي الفساد». يمكن، من الآن، القول انّ الحزب سيستخدم احتكاره للتمثيل الشيعي ليكرّس الفراغ. سيكون صعبا تشكيل حكومة جديدة، علما انّ ليس مستبعدا إعادة تكليف نجيب ميقاتي تشكيل مثل هذه الحكومة. لا وجود لشخصية سنّية أخرى غير نجيب ميقاتي يمكن التوافق في شأنها هذه الأيام لدى طرح موضوع تشكيل حكومة جديدة. فالإنتخابات تبقى إنجازا حققته حكومته على الرغم من كلّ الشوائب التي تحدّثت عنها وسائل الإعلام وصورّتها.
سيترك «حزب الله» البلد يسير نحو الأسوأ. سيعتمد ما اعتمدته ايران في العراق عندما عطّلت الحياة السياسيّة فيه لمجرّد ان نتائج الانتخابات النيابية التي حصلت في تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي، لم تعجبها ولم تعجب الأحزاب والميليشات التابعة لها.
في اخذه البلد إلى مزيد من الإنهيار، سيتفيد «حزب الله» من سلوك رئيس الجمهوريّة الذي تحدث، قبل ايّام، عن «خارطة طريق» رسمها لمن سيخلفه في قصر بعبدا. هل لدى ميشال عون خارطة طريق أخرى غير تلك التي تؤدي إلى «جهنّم»؟