Site icon IMLebanon

تهدئة حزب الله وأداء حلفائه ومعارضيه

 

 

مراقبة تهدئة حزب الله بعد الانتخابات تفترض ليس تلمّس تعاطيه مع الاستحقاقات المتتالية فحسب، بل تعاطي حلفائه كذلك. بذلك، تصبح انتخابات نيابة رئاسة المجلس عنواناً من عناوين، لا معركة مفصلية

 

عكس خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بعد انتهاء الانتخابات، نية لافتة للتهدئة، تعبيراً عن اتجاه الحزب إلى التعامل بواقعية مع نتيجة الانتخابات، بعيداً من خطب ما قبل 15 أيار وعن تحذير رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، وحتى عن احتفالات النصر للتيار الوطني الحر.

 

أخذ هدوء الخطاب، وكذلك كلام الرئيس نبيه بري، حيزاً من النقاش السياسي حول مفاعيله وانعكاسه على الاستحقاقات المتتالية، وسط أجواء تتحدث عن أن الحزب يسلك سبيل التهدئة جدياً من دون مواربات، وأن احتمالات اتجاهه إلى مقاربة الاستحقاقات بروية وانفتاح على القوى الأخرى جدية، ولا تتعلق بلحظة آنية، ما سينعكس في المجلس النيابي وفي تشكيل الحكومة وعدم تكرار تجربة التعطيل النيابي كرمى لعيون حلفائه. وهناك كلام جدي حول آفاق التهدئة، وأنها ستكون من الآن وصاعداً ظاهرة في التعامل مع الملفات المطروحة.

 

في المقابل فإن خشية معارضي الحزب من أن تكون لحظة التهدئة مرحلية فحسب، تشبه مرحلة عام 2005، ودخوله الانتخابات وحكومة وطنية، إلى أن جاءت حرب تموز ودخل لبنان في مرحلة وضع حزب الله يده على الوضع الداخلي وصولاً إلى 7 أيار. هذه الخشية الاستباقية لا تعطي حزب الله فترة سماح حول طريقة تعامله مع نتائج الانتخابات عملياً، وأدائه في المجلس النيابي مع القوى المعارضة، رغم علم معارضيه أنه يتعاطى مع نتائج الانتخابات على قاعدة قبوله بفوز أكثرية نيابية معارضة له، ولكن مع احتفاظه بحصته وحصة شريكه بري وأصوات أخرى لا تعد في خانة العداء له. فتصبح التهدئة بذلك محكاً يفترض أن تترجم بخطوات عملية من جانبه ومن جانب حلفائه في المجلس والحكومة.

من المبكر لحزب الله والمعارضة الحزبية خارج المجتمع المدني الكلام عن الحكومة قبل إنجاز انتخابات رئاسة المجلس النيابي ونائبه وهيئة مكتب المجلس. علماً أن أولى مقاربات الحزب للحكومة هي أنه في حال اتخذ قرار بتشكيلها، فإن الحزب لن يتجاوب مع أي محاولات تعطيل من جانب حلفائه، أياً كانت المسببات. فلا الظروف المحلية تسمح بذلك ولا قرب انتهاء العهد، ولا حتى موقع حليفه التيار الوطني الحر في رسم معالم الحكومة ومطالبته بحصص وحقائب، لأن ثمة كلاماً حول قبول الحزب بحكومة سياسية مطعمة باختصاصيين، مع انفتاح على البحث في عدم تمسك أي طرف بحقائب خدماتية. ففكرة التسوية تعني إشراك الجميع فيها لا طرف واحد.

الأمر نفسه ينسحب على نيابة رئاسة المجلس النيابي. لا يتعلق الأمر بمواجهة بين حزب الله وحركة أمل مع قوى المعارضة، بقدر ما يتعلق بأن هذه الانتخابات ستكون أول ترجمة لأداء القوى النيابية الجديدة، ولا سيما «المجتمع المدني»، ومدى حقيقة تهدئة الحزب وكيفية التعامل معهم. تماماً كما سيكون عليه تلمس كيفية مقاربة التيار لتهدئة نصرالله، إذ لا يمكن للتيار أن يبقي معاركه مفتوحة يميناً وشمالاً، وأي رفع لسقف خطابه السياسي بعد كلام نصرالله يعني رمية في ملعب الحزب وليس في ملعب المعارضة.

 

من هنا، تصبح نيابة رئاسة المجلس اختباراً أولياً. لم تطرح القوات اللبنانية رسمياً اسم النائب غسان حاصباني كمرشح لهذا الموقع. فكرة رئيس القوات سمير جعجع في وضع مواصفات لنائب رئيس المجلس بدلاً من الرئيس الذي لن تنتخبه القوات، يعني فتح الطريق أمام اتصالات مع خمس قوى أساسية، هم السنة المعارضون والكتائب والمستقلون والمجتمع المدني والحزب التقدمي الاشتراكي، للاتفاق على اسم نائب الرئيس. في حال الاتفاق يذهب المعارضون مع الاسم المتفق عليه إلى الانتخابات للتصويت عليه من دون اتفاق مسبق مع الطرف الآخر. أي أن التفاوض محصور فقط بالمعارضين وليس مع الرئيس نبيه بري. سواء كان اسم المرشح ملحم خلف أو غيره.

 

في المقابل فإن السيناريو الآخر، يتعلق بأداء حزب الله وحركة أمل تجاه هذا الانتخاب. مسار التهدئة يفترض حكماً أن يلاقي الحزب وأمل المعارضة على الاسم الذي اختارته. سيكون خلف بهذه الطريقة أفضل لكليهما لأنه لا يشكل تحدياً حزبياً. ورغم أن لا نوايا ظاهرة باحتمال ذهاب الحزب إلى تعطيل الجلسة في حال الاتفاق على حاصباني، إلا أن المعارضة قد لا تتفق عليه. في حين أن الحزب والحركة لا يحبذان إعطاء التيار الوطني ورقة نيابة رئاسة المجلس باختيار الياس بو صعب، عدا عن أن المعارضة لن توافق عليه حكماً.

 

في المقابل، تردد أوساط أن بري الحائز حكماً على أصوات التقدمي الاشتراكي، قد يوافق على مرشح التيار ربطاً بموافقة التيار على التصويت له من جانب كل الكتلة وليس ترك الخيار مفتوحاً لنوابه كما حصل عام 2018، كي يحظى بري بتغطية مسيحية ميثاقية. كما أن رئيس المجلس الذي يفضل خلف، لن يدعو إلى جلسة نيابية إذا اتفقت المعارضة عليه من دون تنسيق مسبق معه يأتي به رئيساً بأصوات المعارضة، والمسيحية منها، ولو جزئياً، رغم أن بري محكوم بمهلة غير مفتوحة للدعوة إلى الجلسة وانتخاب رئيس ونائب له.

هذا كله يحتاج إلى تفاوض جدي لا يتعدى الأسبوعين. لكن رغم الكلام الكثير حول نيابة رئاسة المجلس، فإنها لا تزال عنواناً أولياً يترجم فيه المسار الأكبر لحزب الله بعد الانتخابات والأهم فيه الحكومة. و يبدو أن هناك من يريد ملاقاته بتخفيف الاثقال على طريق الذهاب إليها، واستكشاف حقيقة مواقف الحزب ونهائيتها.