Site icon IMLebanon

عن التعبئة الإلهية للحرب

 

هل يئس «حزب الله» من إقناع الجمهور اللبناني العريض، وحتى بعض جمهوره، بـ»المشكل» الذي سبق أن أعلن أنه الوقت المناسب للقيام به مع إسرائيل وأميركا بحجة منع العدو من استخراج الغاز من حقل «كاريش» طالما ممنوع على لبنان كما قال الأمين العام السيد حسن نصر الله، من أن يستفيد من ثروته في البحر؟

 

ما يدعو إلى هذا التساؤل أن «حزب الله» لجأ إلى نوع من التعبئة الذي لا يقبل الجدال أو التساؤل، لا سيما في كلمة السيد نصرالله في الليلة العاشورائية في 31 تموز، حين بدا أنه استنفد كل الحجج في تبرير احتمال الذهاب إلى الحرب التي بدأ الحديث عنها منذ ما بعد إرسال المسيرات غير المسلحة في 2 تموز الماضي. فهو أقفل أي بحث بأي جدال حول قرار الذهاب إلى الحرب بالرد على من يسألونه من معارضيه «من كلفك بالذهاب إلى الحرب» بقوله «حلّ عني أنا الله مكلّفني». فمقارعة المؤمن بتوجه كهذا تصبح مستحيلة، فيصبح من يخالف التكليف ويعارضه كمن يعصي أوامر إلهية…

 

بنية ذلك الخطاب الأحد الماضي جاءت مخالفة لكل الخطب السابقة التي تناولت بالتشريح «انتصارات» الحزب في الميادين كافة التي خاض فيها الحزب عمليات عسكرية. فكلها جاءت بإرادة الله والإيمان به. وإذا كانت العقيدة والإيمان يلعبان دوراً كبيراً في دوافع القتال فمن الطبيعي أن يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى الحزب وجمهوره. لكن حصر الأمر به يعني القفز فوق العوامل المقررة عملياً، بدءاً بالكفاءة العالية لمقاتلي المقاومة، وحماستهم وشجاعتهم، والتنظيم الدقيق والقدرات العلمية الحديثة للتعامل مع أسلحة تلعب التكنولوجيا دوراً كبيراً فيها والتدريب العالي المستوى، ودور التوجيه والتمويل والتسليح الدقيق الذي مصدره الدهاء الإيراني … التي لولا تضافرها، مع الإيمان لما كانت هذه الانتصارات.

 

قد يقول قائل إن الحزب في أدبياته لم يهمل هذه العوامل كافة في مناسبات سابقة، وأن المناسبة دينية، ومن الطبيعي أن يندمج مع ظروفها ومناخها، ويقصر الحديث عن التكليف الإلهي. إلا أن هناك من يرى في هذه الحجة الحاسمة التي استخدمها الأمين العام ما يشي بأنه يحضّر جمهوره، لاحتمال فداحة التضحيات التي يمكن أن تترتب على أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل هذه المرة، وما بعد بعد «كاريش». فتقييم الحزب الذي على أساسه اتخذ قراره بالتصدي لإنتاج الغاز الإسرائيلي كان أن احتمال الذهاب إلى حل بالتفاوض هو 50 في المئة واحتمال الذهاب إلى الحرب 50 في المئة. والسيد نصرالله أوحى أن الكفة مالت للاحتمال الثاني.

 

قد يكون استنفاد الحجج للذهاب إلى الحرب، التي بناها الحزب على مدى ثلاث خطب سابقة مهد فيها بالحديث عن حقوق لبنان في البحر وقوة المقاومة التي يتمتع بها، معتبراً أنه لم يكن هناك إجماع في أي مرة على خيار المقاومة، ومطالباً الفرقاء اللبنانيين في الوقت نفسه بالتوحد حول عنصر القوة الذي تمثله، من تفسيرات اضطرار الحزب لهذه المخاطرة، التي قال إنها «محسوبة»، لكن وفقاً للمشهد الجيوسياسي الإقليمي، وليس حسب ما يدور على صعيد ترسيم الحدود البحرية.

 

لكن قيادة الحزب تدرك قدر الخسائر التي سيمنى بها لبنان جراء تلك المخاطرة مهما استطاعت المقاومة أذية العدو بالإمكانيات التي تتمتع بها. وهي تدرك بأن إسرائيل ستتسبب بدمار هائل للبلد هذه المرة، وسط تقديرات بأن القيادة الإسرائيلية الحالية متهورة، في غياب القيادات التاريخية في الدولة العبرية، وقد تنجر إلى المواجهة مع خطأ بالحسابات لا يقل فداحة عن الخطأ الذي قد يذهب إليه الحزب. وهو ما لمح إليه الوسيط الأميركي آيموس هوكشتاين حين علق على فيديو المسيّرة بالقول إن القيادة الإسرائيلية مقبلة على انتخابات وقد تتشدد أكثر. كما أن قيادة الحزب، المضطرة لخيار كهذا لأسباب غير لبنانية، تدرك، أنها مهما خرجت منتصرة على الركام اللبناني المتوقع، فإنه حتى جمهورها ليس مستعداً لتحمل تبعات تلك المخاطرة «المحسوبة» بنتائجها الكارثية. وهي لذلك تحتاج إلى النوع الذي لجأ إليه الأمين العام، من التعبئة التي قوامها الانتصار بالشهادة مستعيناً بمناسبة عاشوراء. الأرجح أن الحزب يتمنى ألا يضطر لتلك المخاطرة الإيرانية الوظيفة ولذلك أنهى كلمته الأحد الماضي بالقول: «من ثقافة المقاومة الرضى بأمر الله وقضائه والقبول بما اختاره لنا ولا نستعجل الأمور لأنه في علم الله عز وجل ما لا مصلحة لنا يؤجله لوقت آخر».