في كيان العدو، يتبادل المؤيّدون والمعارضون للاتفاق مع لبنان الاتّهامات، ويحشد كلٌّ من الطرفين ذرائع للترويج لموقفه، من ضمنها أن الاتفاق سيؤدي إلى بناء منصة غاز لبنانية، ما يعزّز الردع الإسرائيلي ويحول دون استهداف حزب الله لمنشآت الغاز الإسرائيلية خشية الردّ باستهداف المنشآت اللبنانية.
وهذه ذريعة تحتاج إلى قليل من التفكيك والمناقشة. فامتلاك العدو للقدرات التدميرية ووجود البنى التحتية التي يمكن أن يستهدفها العدو لم يمنعا حزب الله من الرد على الاعتداءات خلال فترة الاحتلال، ومن فرض معادلة ردّ قيّدت هذه الاعتداءات لاحقاً وصولاً إلى التحرير عام 2000، ولم يحولا دون نجاح معادلة الردع التي فرضها الحزب بعد عام 2006، ودون الرد على كل خرق قام به العدو وعُدّ تجاوزاً لخطوط حمر.
مقولة إنّ وجود منصة لبنانية يحول دون استهداف المنصات الإسرائيلية تستبطن تغافلاً عن أن المسار الذي دفع نحو هذه المعادلة يُجسِّد إنجازاً استراتيجياً لحزب الله، لأن تبنّي قيادة العدو لهذه المعادلة لم يتحقّق إلا بعد تهديد الحزب باستهدافها في حال لم تُلبَّ مطالب الدولة اللبنانية. ويعني ذلك أيضاً أنّ العدو يُقر بأنه غير قادر على ردع المقاومة عن هذا الخيار إلا بالقبول بتلبية مطالب لبنان ما يؤدي إلى إنشاء هذه المنصة، الأمر الذي أدى إلى تغيير المقاربة الإسرائيلية والأميركية، والانتقال من معادلة رابح (العدو) – خاسر (لبنان) إلى معادلة رابح – رابح. المعادلة الأولى كانت هي السائدة خلال أكثر من 12 عاماً، حقّق خلالها العدو الكثير من الأرباح من خلال الاستكشاف والتنقيب والاستخراج… فيما لبنان كان خاسراً بفعل الحظر الذي فُرض عليه.
لم تكن هذه المعادلة المستجدة لتفرض نفسها على العدو ومن ورائه الولايات المتحدة، لولا نجاح حزب الله في فرض إرادته على الطرفين الأميركي والإسرائيلي، وانتصاره في معركة الإرادات مع كيان العدو. وهو ما تجلّى في دفع تل أبيب وواشنطن إلى التكيّف المقنَّع أو الصريح، بنسبة أو بأخرى، مع مطلب لبنان باستخراج ثرواته الغازية والنفطية. إدراكاً منهما بأنه في حال عدم التسليم بمطلب لبنان، فإن حزب الله سيمنعهما من استخراج الغاز من المنصات في المياه الفلسطينية المحتلة.
مع ذلك، فإن النتيجة التي سيحققها العدو (استخراج الغاز وعدم استهداف المنشآت الإسرائيلية) ظرفية ومرتبطة بالمرحلة الحالية. لكن ذلك ليس من دون مقابل، وإنما في مقابل رفع الحظر عن استخراج لبنان لثرواته الغازية والنفطية وتلبية مطالب الدولة اللبنانية بخصوص الترسيم البحري.
لذلك، فإن الترويج لبناء منصة لبنانية كما لو أنه إنجاز للعدو وتقييد لحزب الله ينطوي على مغالطات متعددة الأوجه. وهي حقيقة أجملها وزير الطاقة السابق في حكومة نتنياهو، يوفال شطاينتس، بالقول إن الاعتماد على أن «وجود منصة لبنانية سيمنع حزب الله من إطلاق النار على منصة إسرائيلية هو مثل القول إنه بسبب وجود صيدا وبيروت في لبنان، فإن حزب الله لن يطلق النار على نهاريا وحيفا».
مع ذلك، يتوقع أن نشهد حملة سياسية إعلامية معادية للمقاومة (ينبغي التمييز بين هؤلاء وبين الأسئلة والإشكاليات التي يطرحها بعض المؤيدين والحريصين على المقاومة) تهدف إلى طمس هذا الانتصار الجديد وتوهينه وصولاً إلى محاولة تشويهه. وهو أمر سبق أن شهدناه في مراحل عديدة من تاريخ المقاومة وانتصاراتها، وتحديداً حزب الله، وبدأ التمهيد لهذا المسار بشكل صريح منذ أن لاحت مؤشرات الانتصار في معركة الإرادات مع العدو. ولا يحتاج إدراك هذا الانتصار وتلمّس معالمه إلى تبلور الاتفاق المرجّح الذي ينتزع فيه لبنان مطالبه، لأنه ليس أمام العدو سوى أحد الخيارات الثلاثة: إما الإذعان لمطالب لبنان، بنسبة أو بأخرى، أو الامتناع عن استخراج الغاز من كاريش (الذي لا يستطيع أن يكون مستمراً) أو خوض مواجهة عسكرية مع حزب الله.