تضرب الحكومة موعداً جديداً مع ردّة فعل الشارع بعد الإنتهاء من صوغ البيان الوزاري والتوجّه إلى مجلس النواب لنيل الثقة على أساسه.
لا تحتاج المرحلة إلى بيان وزاري “طنان ورنان” يطرح ملفات كبرى، بل إن المرحلة تتطلّب بياناً وزارياً مقتضباً يعالج الأزمات المعيشية التي تطال المواطنين وتهدد الوضع الإقتصادي والمالي بالإنهيار الشامل.
وربما كان ملف سلاح “حزب الله” من بين أكثر الملفات التي كانت تثير الخلافات بين أركان الحكومات عند صوغ البيان الوزاري، وسط تمسّك الحزب وحلفائه بأن يتضمن البيان فقرة واضحة عن السلاح وضرورة استمرار التغطية الرسمية لمقاومة “حزب الله” في وجه إسرائيل.
ويتوقّع أن لا يشكل هذا البند نقطة خلاف جديّة بين أفرقاء الحكومة الحالية، وذلك لأسباب عدّة أبرزها أنها حكومة اللون الواحد التي تتألف من “حزب الله” وحركة “امل” و”التيار الوطني الحرّ” والحلفاء، وبالتالي فان لا خلاف بين هذه الأفرقاء على هذه النقطة.والسبب الثاني والأساسي هو غياب القوى المشاكسة في هذا الملف عن الحكومة، أي “القوات اللبنانية”، الحزب “التقدمي الإشتراكي” وتيار “المستقبل”، وهذه القوى كانت ترفض عند كل استحقاق صوغ البيان الوزاري تشريع سلاح “حزب الله” بشكل واضح، بل كان يجري تحايل على المضمون وصوغ عبارات غير استفزازية.
وفي حكومة الرئيس السابق سعد الحريري جاءت الفقرة المختصة بسلاح “حزب الله” على الشكل الآتي: “لن نألو جهداً ولن نوفر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من أراض لبنانية محتلة وحماية وطننا من عدو يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية وذلك استناداً الى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، وتؤكد الحكومة على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة. مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة”.
أما الجديد الذي طغى على مسلسل الأحداث في المنطقة فهو إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن “صفقة القرن”، تلك الصفقة التي تصيب لبنان في ما خصّ ملف عودة اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي قد تشرّع الباب واسعاً أمام التوطين، وهذا الأمر يرفضه لبنان بالمطلق وهو محط إجماع وطني.
وأمام كل هذه الوقائع، فان تركيز البيان الوزاري سيكون بالدرجة الأولى على الهم الإقتصادي والمالي والمعيشي، لأنه الملف الذي يقضّ مضاجع اللبنانيين، أما بالنسبة إلى الشق المتعلق بسلاح “حزب الله”، فإن مصادر مواكبة للبيان الوزاري تجزم بأنه لن يكون استفزازياً في ما خص هذه النقطة، فالجميع يعلم أنها تشكل نقطة خلاف بين اللبنانيين، كما أن عيون الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع العربي والدولي مُفتحة على لبنان، وبالتالي فان أي “زحطة” ستجلب المزيد من المشاكل.
وتنفي المصادر أن يكون “حزب الله” في وارد استغلال لحظة خروج الأحزاب المعارضة وتأليف حكومة لا تعارضه من أجل تحسين فقرة المقاومة. وتعتبر أن “الحزب” عقلاني ولا يمكنه جرّ لبنان إلى مواجهة شاملة مع أميركا والغرب في وقت هو بأمس الحاجة إلى المساعدات لإنقاذ وضعه المالي والإقتصادي.
وتتوقع المصادر أن يتمّ التأكيد في البيان الوزاري على احترام لبنان لقرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار 1701، والتمسك به ووضع حدّ للانتهاكات الإسرائيلية المتكررة. كذلك، من المرجح أن تنسخ الفقرة المخصصة للمقاومة عن الفقرة التي ذكرت في بيان حكومة الحريري الأخيرة وعدم إجراء أي تعديل جوهري عليها.
ووسط كل ما يحصل، يبقى التحدي الأكبر، بعد نيل حكومة الرئيس حسان دياب إستحقاق الثقة، هو التوجه إلى تطبيق ما وعدت به من إصلاحات، بينما السياسات الاستراتيجية الكبرى، وأبرزها قرار الحرب والسلم، ليست في يد أي حكومة بل هي بحكم قوة الأمر الواقع عند “حزب الله” ومن ورائه إيران، وبالتالي فلن تبدّل عبارة من هنا أو جملة من هناك التوازنات المرتبطة بقرار سلم لبنان أو حربه.