IMLebanon

عندما يجلس «الحزب» إلى طاولة الـ5

 

 

ليس هناك تفسير منطقي لحال المراوحة التي يغرق فيها لبنان. فالقوى المحلية كلها تبدو مستقيلة من أدوارها، وتنتظر ما سيأتي من الخارج. وعلى الأرجح، ذات يوم، ستتوافق القوى الخارجية في ما بينها على صيغة التسوية في لبنان، وفقاً لمصالحها، وستفرضها هذه الصيغة على قوى الداخل. وعندذاك، لن يغامر أحد برفض التسوية «المطبوخة»، لأنّ القوى الدولية ستعتبر الرفض تمرّداً عليها، وستعاقب «المتمّرد» بقسوة. وهذه التجربة عاشها كثيرون، وفي مراحل مختلفة، ولن يستعيدوها.

صحيح أنّ الوسيط الفرنسي محدود الفاعلية في لبنان، لكن ميزته أنّه صبور وعنيد ويعرف ما يريد. وأول خطوة يفكّر هذا الوسيط في اعتمادها لتحريك الجمود في لبنان، هي ضمّ إيران إلى نادي الخمسة الراعين للوضع اللبناني. وبالتأكيد، في النهاية، سيجري ذلك بلا اعتراض من أحد. وحتى السعوديون والأميركيون لن يعترضوا.

 

عندما ينجح الفرنسيون بإحداث هذا التطور، ستكون طهران قد دخلت للمرة الأولى عملانياً ومباشرة، كشريك. إلى المطبخ التقليدي الذي يتولّى إنتاج التسويات في لبنان.

 

وثمة من يعتقد أنّ إيران ستملأ الفراغ الذي أحدثه ابتعاد دمشق أو إبعادها عن هذا المطبخ منذ العام 2005. ولكن، على الأرجح، هذا الاستنتاج متسرّع. فدمشق أيضاً تعود إلى نادي رعاة التسويات في لبنان، بمجرد تطبيع علاقاتها مع الأقوياء العرب.

 

عندما تدخل طهران إلى هذا النادي، تكون المعادلة السياسية قد رست على توازن جديد يترجم الواقع الميداني في لبنان. فعلى الأرض، «حزب الله» هو الأقوى، وما يحتاج إليه هو أن يكون موجوداً أيضاً على مستوى المظلّة السياسية للوضع اللبناني، أي في نادي رعاة التسويات الإقليمي والدولي. وهذا ما سيتحقق عند دخول إيران مجموعة الخمسة.

 

فإذا كان الوسطاء يضطرون اليوم إلى مفاوضة «الحزب» في بيروت، ثم يطلبون من طهران أن «تمون» عليه وتسهّل التسويات، فإنّ انضمام طهران إلى طاولة المفاوضات سيجعلها شريكة مباشرة في اللعبة، بل إنّها ستكون الركن الأكثر فاعلية على الأرض في لبنان، من خلال «حزب الله».

 

ومن هذا المنطلق، ستفاوض طهران وتساوم وتقرّر عن نفسها وعن «الحزب»، الذي سيكون هو أيضاً قد أصبح موجوداً إلى الطاولة في شكل غير مباشر من خلال طهران، وسيفاوض القوى الإقليمية والدولية من الند إلى الند.

 

ويقول ديبلوماسيون، إنّ السعوديين لن يرفضوا الجلوس مع إيران، بعدما أبرموا معها اتفاقاً في بكين يكاد يتحوّل شراكة إقليمية بينهما. كما أنّ الأميركيين لن يعترضوا من جهتهم ما داموا هم أيضاً يجلسون مع إيران إلى طاولة مفاوضات تبدأ بملفها النووي ولا تنتهي بحدود نفوذها الإقليمي.

 

والانطباع الناشئ في بعض الأوساط السياسية، هو أنّ القوى الدولية والعربية الكبرى ستعيد «تلزيم» لبنان كما فعلت في العام 1989، عندما تمّ استيلاد اتفاق الطائف كإطار لتسوية دولية- إقليمية جرت ترجمتها برعاية دمشق، وبضمانتها. فجرى منح قواتها شرعية الانتشار في لبنان. وفي تقدير البعض أنّ التلزيم سيكون اليوم لطهران كما كان حينذاك لدمشق. وسيكون هناك اعتراف عربي ودولي غير مباشر بسلاح «حزب الله» ونفوذه على الأرض. ويعتقد أصحاب هذه الفرضية أنّ معادلة س- أ (السعودية- إيران) هي البديل المنطقي الذي نشأ في لبنان خلفاً لمعادلة س- س (السعودية- سوريا).

 

ولكن أيضاً، ليس حتمياً وجود تناقض أو تضارب بين س- س وس-أ، لأنّ دمشق التي تستعيد حضورها ودورها العربيين، بتشجيع دولي ومن دون اعتراض أميركي يُذكر، هي ركيزة الجسر الإيراني الذي يربط طهران ببغداد فبيروت. ولا يمكن تجاهل أنّ نظام الرئيس بشار الأسد هو الحليف الذي دفع الإيرانيون أثماناً باهظة لحمايته، منذ العام 2011.

 

ولذلك، قد يوافق العرب والغربيون على تعويم دور معين لدمشق في رعاية الوضع اللبناني، بتكليف دولي- إقليمي، وتحت مظلّة إيرانية، ولكن، بعد أن تربح التحدّي الذي تواجهه نتيجة حربها الداخلية القاسية. فصحيح أنّ دمشق تجاوزت المرحلة العسكرية والسياسية الصعبة، لكنها لم تكتسب بعد مقداراً من المناعة يسمح لها بالتوسع وممارسة النفوذ في لبنان وسواه من دول الجوار، كما فعلت في مراحل سابقة. وفي هذه الحال، تبقى طهران صاحبة المبادرة الأقوى.

 

واستطراداً، ستكرّس التسوية الآتية، أياً كانت، ومهما تأخّرت، نفوذ «حزب الله» في الداخل. ولذلك، هو اليوم لا يحرق المراحل، ما دام كل شيء سيأتي في وقته، ولو تأخّر.