تجاهل حزب الله للدولة جنوباً مؤشر سلبي يزيد من الانقسام السياسي ووطأة الأزمات
فضح تفرُّد حزب الله بخيار المواجهة مع قوات الاحتلال الاسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية، منذ عملية طوفان الأقصى، بمعزل عن أي دور للدولة اللبنانية وقوانينها، وتجاوز توجهات معظم اللبنانيين الرافضين لهذا الاسلوب التهميشي لوجود الدولة وسياساتها، النوايا المبيتة للحزب وراء مثل هذه الممارسات، التي تضيف شواهد ووقائع جديدة، لطموحات الحزب بمصادرة قرار وسيادة للدولة، والانقلاب على كل شعارات المشاركة واحترام الدستور والقوانين اللبنانية والانضواء تحت كنف الدولة ومؤسساتها وقراراتها الدستورية.
هذا الواقع الجديد، يكمل سياسات وممارسات الحزب بالهيمنة على مفاصل الدولة اللبنانية، التي انتهجها خلال العقدين الماضيين، بترهيب خصومه السياسيين، وتعطيل عمل الحكومات والاصلاحات، وشل عمل المؤسسات والادارات العامة، مباشرة او من خلال حلفائه بالسلطة كما حصل إبان عهد الرئيس ميشال عون، وضرب مرتكزات الاقتصاد الوطني، وتطويق مسار التحقيق بتفجير مرفأ بيروت، وتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية منذ أكثر من سنة تحت شعارات جوفاء وابقاء لبنان بلا رئيس للجمهورية منذ ذلك الحين.
ليس هذا فحسب، بل ابعد من ذلك بكثير، فقد وضع الحزب بتفرده بخيار المواجهة العسكرية مع قوات الاحتلال الاسرائيلي، تحت شعار دعم الفلسطينين في الحرب التي تشنها إسرائيل ضدهم في قطاع غزّة، الدولة واللبنانيين، امام الامر الواقع وتداعيات ومخاطر هذه المواجهة، وتحمل تبعاتها ونتائجها وتكلفتها على كل الصعد، رغما عنهم، ووضع مصير لبنان في مهب المجهول.
فاذا كان خيار مواجهة قوات الاحتلال الاسرائيلي على الحدود الجنوبية اللبنانية، لا يتطلب التشاور ومشاركة الدولة على مستوى كل الاطراف السياسيين، لكي يتحمل الجميع مسؤولياتهم، فهذا يعني تجاهل الحزب التام لوجود الدولة، وأن مصلحة الدولة والشعب اللبناني تقع في آخر اهتماماته، وما يعنيه ويهمه، ما يرضي ويحقق اهداف ومصالح تبعيته للنظام الايراني، ولا شيء آخر غير ذلك.
اسلوب مواجهة حزب الله مع قوات الاحتلال الاسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية، وافساح المجال أمام منظمات لبنانية وفلسطينية تحت مسميات مختلقة او حقيقية، للقيام بعمليات عسكرية انطلاقا منها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، يؤشر إلى مرحلة استباحة وتفلُّت للوضع هناك، تشبه كما كان حالها ابان تموضع المنظمات الفلسطينية المسلحة قبيل الاجتياح العسكري الإسرائيلي للجنوب في العام ١٩٨٢، ما يضع المنطقة برمتها امام مخاطر غير محمودة، ويُبقي لبنان ساحة مستباحة للنظام الايراني، لاستعمالها متى يشاء في مقايضاته وصفقاته وتحقيق مصالحه على حساب المصلحة الوطنية اللبنانية، في الوقت الذي تزداد الامور فيه سوءا وتحيط المخاطر بلبنان واستقراره ووحدته من كل جانب. هذا الواقع المتدحرج نحو الأسوأ في الجنوب اللبناني، يزيد من وطأة الأزمات المتعددة التي يتعرض لها اللبنانيون، سياسيا وامنيا واقتصاديا منذ مدة، وقد تؤدي اطالة أمد الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، الى تفاقم الوضع جنوبا، ما يزيد في معاناة سكان المناطق الجنوبية المتاخمة، ويؤجج الخلافات السياسية، والانقسام الحاصل، في ظل تراجع الاهتمام وتعطيل الجهود لاجراء الانتخابات الرئاسية بحجة طغيان الاهتمام بما يجري جنوبا على ما عداه، بينما يبقى الهدف الاساس استئثار حزب الله بالقرار السياسي وابقاء الانتخابات الرئاسية في عهدته لصالح ايران، مهما كانت اضرارها وتداعياتها المدمرة على الشعب اللبناني.