Site icon IMLebanon

لماذا «حزب الله» قوة مساندة وليس قوة مواجهة؟

 

في 27 تشرين الأول 2022، جرى توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية.

 

هذا الاتفاق الذي وقّعه رئيس الجمهورية السابق ميشال عون والذي تخلى فيه لبنان عن الخط 29، تأمّل من خلاله جبران باسيل أن يُعوّض بهدية من العيار الثقيل، رفع العقوبات الأميركية عنه وتأهليه لرئاسة الجمهورية.

 

والثنائي الشيعي الممسك بقرارات الدولة، والذي من دون تغطيته ما كان يمكن توقيع هذا الاتفاق الذي تفحّ منه روائح الفساد والخيانة الوطنية، تأمّل بدوره فضلاً عن تأمين المصالح الخاصة، أن ييسّر الاتفاق إمكانية استخراج الغاز من البلوك 9 ومن حقل قانا، فتتأمن بذلك مصادر تمويل تنقذ مالية الدولة المفلسة وتمكّن الثنائي من إحكام قبضته على الحكم في لبنان لسنوات قادمة.

 

ومن البديهي القول إنّ التنقيب عن النفط والغاز في البلوكات البحرية الجنوبية يفترض حكماً تصفير التوتر على طول الحدود اللبنانية الجنوبية مع العدو الإسرائيلي، وهذا ما طرح مسألة ترسيم الحدود البرية الجنوبية وتصحيح النقاط على الخط الأزرق، وحل قضية تلال كفرشوبا ومزارع شبعا.

 

ولم تكن الخيم التي نصبها «حزب الله» عند الحدود مع مزارع شبعا إلا مقدمة لذلك، حيث انطلقت قبل أسبوعين من عملية «طوفان الأقصى»، آلية التفاوض لتسوية الخلافات على الحدود الجنوبية بين خبراء من الجيش اللبناني وخبراء من جيش العدو الإسرائيلي مدفوعة من الوسيط الأميركي أموس هوكشتاين، وبرعاية قوات الطوارئ الدولية.

 

وهكذا بدا أنّه منذ تاريخ ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي، أصبح «حزب الله» في تموضع دفاعي، وكان السيد نصرالله على أثر توقيع ذلك الاتفاق قد دعا اللبنانيين إلى الاحتفال به كإنجاز عظيم، ما يعني أنّ الزحف نحو القدس من الجليل أصبح شعاراً للتعبئة الداخلية، وتهديداً للعدو في حرب إعلامية مفتوحة.

 

من جهة آخرى، ليس خافياً على أحد، أنّ «حزب الله» وخاصة جناحه العسكري يرتبط عضوياً بالحرس الثوري الإيراني، وبالتالي فإنّ تحركه بمهمات هجومية يستدعي حكماً قراراً من القيادة الإيرانية العليا.

 

وكان واضحاً من تصريحات القيادة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لانطلاق عملية «طوفان الأقصى» أن لا علاقة لإيران بهذه العملية وإن صرّحت باستعدادها لدعمها المعنوي والسياسي.

 

وقرار القيادة الإيرانية بعدم الانخراط في مجابهة مفتوحة مع العدو الإسرائيلي، بالتأكيد يشمل أيضاً أذرعها في المنطقة وفي مقدمهم «حزب الله».

 

ثم تكرّس هذا التوجه في خطابيْ السيد نصرالله بعد عملية «طوفان الأقصى»، حيث أكد أنّ دور «حزب الله» ينحصر في إشغال قوات العدو الإسرائيلي على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة ولن يتطور إلى حالة إشعال لهذه الجبهة عملاً بموجبات المصالح اللبنانية الداخلية المرتبطة بالترسيم البحري التي ذكرتها سابقاً، والتزاماً بتوجيهات القيادة الإيرانية التي لا تريد توسيع جبهة المواجهة، ربطاً بمصالحها الاستراتيجية، وأخذاً بالاعتبار التحذيرات والتهديدات الغربية من مغبة تورطها في الحرب.

 

علـى الرغـم من استبعـاد المجابهــة المفتوحــة مع العدو الإسرائيلي للأسباب التي ذكرت بمبادرة من «حزب الله» ومحوره، والسعي الأميركي المتلاحق بالضغط على حكومة العدو وحضها على عدم اللجوء إلى توسعة المواجهة على هذه الجبهة، أصبح الوقف النهائي لمناوشات قوات «حزب الله» العسكرية مع قو ات العدو على الحدود اللبنانية الجنوبية مرتبطاً بوقف الحرب على غزة.

 

ومن ضمن السيناريوات المطروحة لهذا الأمر حسبما يتردد في أوساط الوسطاء الإقليمين والدوليين، هو تجديد المبادرة الأميركية عبر الموفد الأميركي هوكشتاين، والتي تقضي بإنجاز الترسيم للحدود اللبنانية البرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة وحل النقاط المختلف عليها، إضافة إلى وضع خطة لإنهاء احتلال إسرائيل لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وطي ملف الأراضي اللبنانية المحتلة من قبل قوات العدو الإسرائيلي، والعودة إلى تطبيق ما جاء في البندين الثاني والثالث في وثيقة اتفاق الطائف التي صدقت في جلسة مجلس النواب بتاريخ 5/11/1998 والتالي نصها الحرفي:

 

«ثانياً- بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية،

 

بما أنه تم الاتفاق بين الأطراف اللبنانية على قيام الدولة القوية القادرة المبنية على أساس الوفاق الوطني، تقوم حكومة الوفاق الوطني بوضع خطة أمنية مفصلة مدتها سنة، هدفها بسط سلطة الدولة اللبنانية تدريجياً على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواتها الذاتية، وتتسم خطوطها العريضة بالآتي:

 

1 – الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، وإقرار الإصلاحات السياسية بصورة دستورية.

 

ثالثاً- تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي،

 

استعادة سلطة الدولة حتى الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً تتطلب الآتي:

 

أ- العمل على تنفيذ القرار 425 وسائر قرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بإزالة الاحتلال الإسرائيلي إزالة شاملة.

 

ب- التمسك باتفاقية الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949.

 

ج- اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً والعمل على تدعيم وجود قوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني لتأمين الانسحاب الإسرائيلي ولإتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود».

 

فهل تقرّبنا نهاية الحرب في غزة من هذه النهاية السعيدة؟

 

دعونا إذاً، نحلم ونعمل على استعادة كامل سيادتنا على أرضنا كدولة لبنانية، ونبني الدولة اللبنانية القوية، القادرة والعادلة، تحت سقف القانون والدستور.