IMLebanon

إذا ابتليتم بـ«حزب الله»…

ربما بات على اللبناني، أن يتعايش منذ الآن وصاعداً، مع إزدواجية «حزب الله» وعبقريته النابعتين من فعله السياسي وطريقة تعاطيه مع المُستجدات والأحداث التي تطرأ على الساحتين الداخلية والخارجية، والتي جعلته يفقد «بوصلة» صوابه حتّى أصبح أشبه بمركب ضائع وسط بحر تتخبّطه الأمواج وتتقاذفه من جهة إلى أخرى. فمن جهة ما عاد الحزب يعرف مرساه ولا عاد قادرا على الخروج من المستنقعات التي أغرق نفسه فيها من جهة أخرى. وفي الحالتين، ليس هناك من مهزوم و»مقتول»، سوى الشعب اللبناني وتحديداً الطائفة الشيعية التي تصرخ من كثرة الموت وتتألم من جراح أبنائها.

يدعو إلى الشيء ويُمارس نقيضه. يُطالب بحلول وهو الغارق حتى اذنيه بمشاكله التي تعصف به. يتجاهل الدعوات إلى الحلول ويتعالى على الخصوم والحلفاء، وعند إشتداد الرياح من حوله، يهرب كعادته إلى لعبته المُفضلة، فيبدأ بصياغة جُمل تتعلّق بـ»الوحدة» و»العيش المُشترك» والدعوات إلى «إيجاد حلول تُرضي الجميع»..، ثم ما يلبث أن يعود إلى «معاصيه» لحظة مرور سحابات فصوله، وليبدأ بإستعادة نغمات التهديد والوعيد وإطلاق العنان لمُكابرته. هذا هو حال «حزب الله» اليوم الذي أخرج نفسه من دائرة «المُقاومة» بعدما حصرها في إطار مذهبي ميليشياوي، يأتمر من الخارج ويرهن مصير عناصره بـ»تكليف» لم يعرف منذ سنوات طويلة، سوى الموت طريقاً لهم.

آخر إزدواجيات «حزب الله» و»فنونه» أو «فهلويته» السياسية، جاءت بالأمس على لسان نائبه حسن فضل الله اختصر كل أزمات لبنان والتي يقف حزبه في الأساس وراءها، بوجود تيّار «المستقبل». يقول فضل الله: « إن الأزمة السياسية التي نعيشها اليوم ناتجة عن طبيعة النظام من جهة، وعن الشغور الرئاسي بفعل عدم القبول بالشراكة الحقيقية التي ينص عليها الدستور من جهة أخرى، لاسيما وأننا مبتلون في لبنان بحزب المستقبل، حيث يوجد بداخله أفرقاء طبيعتهم المعاندة والمكابرة والمشاغبة والمزايدة والمنافسة فيما بينهم، وبالتالي فإننا كلما تقدمنا خطوة لمعالجة الأزمة الداخلية، يأتي من داخل هذا الحزب من يصر على المكابرة ويعاند الحقائق، ويأتي آخر ويقوم بالمشاغبة والمنافسة من أجل التعطيل على شخص آخر هو من الفريق نفسه«.

للتاريخ وليس للتوضيح، فان تيّار «المُستقبل»، كان في طليعة الباحثين بشكل جدّي عن مخرح لأزمة الفراغ الرئاسي التي تطال لبنان كله وليس جزءاً منه، ومن باب حرصه على عدم تكريس الفراغ كأمر واقع في البلد، اختار حلاً كان من المُفترض أن يُرضي كل من يسعى إلى الهدف نفسه، لكن تعنّت «حزب الله» وإختياره طريق التعطيل من خلال تمسكه بمُرشح لم ينزل نوّابه مرّة إلى المجلس النيابي لإنتخابه، حال دون الوصول إلى تحقيق حلم اللبنانيين، بأن يكون لهم رئيس كما بقية البلدان السيادية والتي تحترم قوانينها ومواطنيها بالدرجة الأولى. والمؤكد أن الفراغ الرئاسي الحاصل ، يبقى الخيار الأفضل لحزب، يصول ويجول في البلاد بسلاحه وعناصره الامنية والعسكرية، من دون أي رادع ولا مُساءلة ولا مُحاسبة. وحتّى وإن تجرأ احد وسأل عن أفعاله وإرتكاباته، يُصبح عميلاً ومتآمراً على لبنان وعلى «المقاومة» وقد يصل الأمر الى حد اعتباره أحد أبرز ممولي تنظيم «داعش» أو عميلاً إسرائيلياً وجب الإقتصاص أو التخلّص منه. 

يقول المثل الشعبي المعروف في مصر، «اسمع كلامك أصدقك، أشوف امورك أستعجب». مرّة يرفض «حزب الله» حصول انتخابات رئاسية قبل الإنتخابات النيابية، ومرّة يذهب إلى حد التهويل على اللبنانيين في حال اعتماد هذا الخيار، ومرة يدعو إلى «سّلة» متكاملة. مرّة يدعو المسيحيين إلى الإتفاق على رؤية موحّدة لقانون إنتخاب جديد للسير به، قبل أن يعود وينقض مطلبه هذا ويُطالب بالنسبيّة، ومرّة يدعوهم لاختيار شخصية والسير بها إلى رئاسة الجمهورية على أن يُلاقيهم هو في نصف الطريق. لكن حتّى اليوم لم يمد يده لا إلى حليفه الأولّ النائب ميشال عون، ولا الى حليفه الثاني النائب سليمان فرنجية، فقط يمد يده لإطالة عمر التعطيل وإغراق البلد بالفوضى والمتاهات، والهدف، الإبقاء على سلاحه، وإنضاج المرحلة الأخرى من حلم التوسع الفارسي، بعد مرحلة زرع الفتن المذهبية ونشر الفوضى والاقتتال في المنطقة العربية.

من عمق الأزمة التي تعصف بـ»حزب الله»، من جرّاء تخبطه في الحرب السورية التي وكما هو واضح، ذاهبة باتجاه استنزاف آخر ما تبقّى من رصيده، ومن الضياع الحاصل فيه، من جرّاء التلاعب بمصيره والقذف به من أزمة إلى أخرى، اختلط الأمر على النائب فضل الله، فراح يسوق الإتهامات لـ»المستقبل» ويتهمه بأن «الكرة الآن في ملعبه وأنه هو من يقرر إذا كان يريد حلا لمشكلة البلد أو أنه لا يريد». كما راح النائب نفسه يوسّع «بيكار» هذيانه السياسي بشكل أكبر وأوسع، عندما تراءى له أن «المستقبل ينتظر قراره من السعودية التي هي مشغولة الآن بحروبها في اليمن وضد المقاومة في سوريا«، وأن «الذي يعطل البلد اليوم هو عدم حسم أصحاب الاتجاهات في حزب المستقبل من المعاندين والمكابرين والمزايدين والمنافسين والمشاغبين لخيارهم في القبول بالمسار الطبيعي بانتخاب الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية». وبكلامه هذا، يكون فضل الله قد أكد للمرة الألف موقف حزبه، أن «لا قانون إنتخابات ولا رئاسة، ولا بلد مُعافى، إلا بالسير معنا».

تهديد علني بإسقاط الحكومة في حال عدم الموافقة على إنتخاب عون رئيساً. هذا ما أعلنه فضل الله بقوله: «ندعو إلى الاستماع إلى مطالب الوطن وهواجسه والعمل على معالجتها بالتفاهم والحوار وإيجاد الحلول المقبولة من الجميع، لتبقى هذه الحكومة قادرة على العمل، والتي نريد لها أن تستمر في ظل هذا الشلل القائم، ولا نريد لها أن تسقط حتى لا يسقط كل شيء معها، فيكفي أن لا رئيس للجمهورية والمجلس النيابي معطل، وإذا سقطت الحكومة فإن كل شيء سيتعطل في هذا البلد المهدد أمنيا من الجماعات التكفيرية«. وهي ليست المرة الأولى ولن تكون الاخيرة التي يلجأ فيها «حزب الله» إلى التهديد بإسقاط حكومات، سواء في السياسة أو في الشارع، والجميع يذكر «القمصان السود».

بعد كل ما تقدم من إتهامات وإفتراءات وتهويل بحق تيّار «المستقبل» والتي وصلت إلى حد إتهامه بتعطيل البلد، تظهر إزدواجية «حزب الله» بشكل واضح وملموس لكن هذه المرة على لسان نائب زميل لفضل الله في كتلة «الوفاء للمقاومة»، والذي يقول «نشجع رئيس تيار المستقبل على المضي في مسار الانفراج الذي بذله باتجاهه، ولكن بدون إطالة، لأن لبنان لا يتحمل وقتا أطول من الوقت الذي يتحمله«. وهنا تظهر الغرابة الفعلية في طريقة قراءة الحزب للواقع في لبنان والمنطقة، واللاغرابة في ذهابه بإرادته إلى مستنقعات الدم.