IMLebanon

لبنان.. الهروب من الحقيقة  

 

يستمرّ لبنان في ممارسة الهروب من أزمته الحقيقيّة، وهي أبعد بكثير من الأزمة الاقتصادية، الجميع متواطىء على إضمار الصمت تجاه حزب الله وسلاحه ودويلته وتحييدها عن توجيه أصبع الاتهام لها وأنّ الحزب هو المتسبب الحقيقي في معاناة الشعب اللبناني وانهيار البلاد، مع الإشارة الى أنّ كلّ الكلام لا يقدّم ولا يؤخّر عند حزب الله ولا عند إيران، ومخطّطها الشرّير للبنان والمنطقة العربيّة، وللأمانة هذه البلاد لا مستقبل لها ولا بها نكاد نقول ذلك، ما دام «المستقبل هو للمقاومة ومحور الممانعة أو إيران تحديداً، وطالما أنّ القيادات اللبنانيّة تتجنّب مصارحة اللبنانيّين بأنّ كل المآسي التي نعيشها ستستمرّ بفضل حزب الله وبركات إيران ووليّها الفقيه!

 

لا ينخدعنّ أحد بمهادنة حزب الله هذه الأيام، هو مكرهٌ على ذلك، وكعادته عندما يحاصر يهرب إلى الحكومة والحوار وهو يتقن «التقيّة» باعتبارها «ديناً»، ومن المؤسف أنّ حال لبنان مع الحزب اليوم مع حزب إيران في لبنان، شبه بحال الإمام عليّ كرّم الله وجهه مع أهل الكوفة ودعائه عليهم، وقوله في ذمّهم: «قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرّعتموني نغب التًّهمَام أنفاساً، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان» أو دعائه عليهم: «اللهمّ إنّي مَلَلْتُهم وملّوني وسئمتهم وسئموني فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً مني»، بل حالنا اليوم مع حزب الله أشبه بدعاء الإمام عليّ كرم الله وجهه [الشيخ المفيد، كتاب الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، 1/277]: «اللهمّ إنّي قد سئمت الحياة بين ظهراني هؤلاء القوم، وتبرّمت الأمل. فأتِح لي صاحبي حتى أستريح منهم ويستريحوا منّي، ولن يُفلحوا بعدي»…

 

حتى لا ينزاح التفكير اللبناني عن أبعاد الدّور الإيراني في لبنان، من المفيد أن نذكّر هنا بأنّه فى 29 كانون الثاني عام 803 م «نكبَ» الخليف العباسي هارون الرّشيد ـ وكانت في زمنه سلطة الدولة العباسيّة ـ «بنو برمك المجوس، وتجربتهم أعتى تجارب الفرس في إعادة بناء الإمبراطوريّة الفارسيّة ـ وهذه المحاولة الكبرى نُفّذت في عزّ قوة الخلافة الإسلاميّة العربيّة ـ لا يعدو مرشد الجمهوريّة الإيرانيّة علي الخامنئي عن أن يكون يحيى برمكي آخر، وللمناسبة يعيد ابن خلدون نكبة البرامكة الى «استبدادهم على الدولة واحتجافهم أموال الجباية، حتى كان الرشيد يطلب اليسير من الأموال فلا يصل إليه، فغلبوه على أمره وشاركوه فى سلطانه، ولم يكن له منهم تصرف فى أمور ملكه، فعظمت آثارهم وبَعُد صيتهم وعمروا مراتب الدولة وخطططها بالرؤساء من ولدهم وصنائعهم، واحتازها عمّن سواهم من وزارة وقيادة وحجابة وسيف وقلم»، أليْس هذا هو حال حزب الله ضمن الدولة اللبنانيّة، يمارس سياسة «الدويلة» ضمن «الدّولة»، بل هو الدّولة ويدّعي أنّه الدويلة «تقيّة»، هذا هو السيناريو الفارسي الذي لم يتغيّر منذ «أبو مسلم الخراساني» وحتى اليوم!!

 

على اللبنانيين ـ وفي هذه المرحلة بالذات ـ أن لا ينسوا أنّ التجربة مع حزب الله أفرزت واقع استطاعته حتى اليوم أن يفرض على اللبنانيّين كلّ السياسات التي أرادها وعطّل البلاد حتى نجح في فرضها، أمين عام حزب الله حسن نصرالله لا يريد أن يقال «حكومة حزب الله»، ليس خوفاً على لبنان، بل خوفاً من إيقاظ العالم على حقيقة صواريخه التي حوّلت لبنان إلى حدود إيرانيّة، وسيستمرّ لبنان في دفع أثماناً باهظة طالما هو مختطف من قبل حزب الله «رهينة» مفاوضات من أجل المصلحة الإيرانية ومهما كان الثمن!