Site icon IMLebanon

لِيَعُد «حزب الله» إلى تعاميم الولي الفقيه

 

يعيش لبنان، وللمرة الأولى، أزمة اقتصادية ومالية حادّة، من المتوقع ان تودي بالبلاد إلى المجاعة وخسارة اللبنانيين جنى أعمارهم في المصارف نتيجة خضوع سلطات البلاد لثقافة جديدة ومفاهيم جديدة ودستور جديد وشرع جديد، هو شرع «تحالف الميليشيات العسكري والسياسي والمالي».

كلام جميل قالته فرنسا والسعودية عن مساعدة لبنان. وزير المال الفرنسي برونو لومير قال: «إذا احتاج لبنان للمساعدة المالية ففرنسا موجودة، لكنه اعتبر انّه لا يجب خلط قضية تعافي الاقتصاد اللبناني بمسألة إيران». أما وزير المال السعودي محمد عبدالله الجدعان، الذي أبدى دعم المملكة للبنان دولة وشعباً، فقال: «المملكة على تواصل مع الدول الأخرى لضمان تنسيق أيّ دعم للبنان وبناءً على الإصلاحات الاقتصادية في البلاد».

 

في الترجمة الواقعية لهذه المواقف، أنّ البلدين هما من الداعمين تاريخياً للبنان، والحريصين في معظم المراحل على تماسكه في الاقتصاد والأمن والسياسة. فحجب الدعم والاستثمار المالي الخليجي عن المصارف والسوق اللبنانية، من الأسباب التي أدّت إلى ضعف البنية الاقتصادية والمالية للبلد، لأنّ الاستثمار العربي والخليجي ليس استثماراً بسيطاً إنما عبارة عن دخول مليارات الدولارات على شكل مشاريع، لتحرّك السوق، أو على شكل ودائع في مصرف لبنان المركزي. وكان هذا الدعم يشكّل استمراراً لصمود البنيان الاقتصادي والمالي في البلد، وبشكل أو بآخر كان يغطي حجم الفساد والهدر الذي يحصل في الدولة اللبنانية. ومنذ انكفاء المشاريع العربية والخليجية، جراء سيطرة «محور المقاومة» على الوضع اللبناني، وأمام العقوبات المفروضة على «حزب الله»، لم يعد هناك من «مقاومة» تنفع أمام حجم الفساد في الدولة.

 

فالممارسة السياسية في السنوات الثلاث الأخيرة واصطفاف الدولة في محور «حزب الله»، أدّيا الى تراجع نمط الدعم الخارجي الدولي والعربي للبنان، بعدما اعتاد اللبنانيون الإتكال على المساعدات الخارجية.

 

وفيما رحّب مسؤولون لبنانيون بمواقف كل من فرنسا والسعودية، لا بدّ من الإمعان في ما قالته المملكة، انّها «على تواصل مع الدول الأخرى لضمان تنسيق أيّ دعم للبنان وبناءً على الإصلاحات الاقتصادية في البلاد»، ومعطوفاً على المواقف التي تسرّبت عبر السعودية والإمارات، من انّها لا تريد ان تستقبل رئيس الحكومة حسان دياب إلّا بعد أن تلمس تغييرات في النهج، فهذا يعني أن لا تراجع في الموقف العربي والخليجي تجاه لبنان، وهي تؤكّد المؤكّد، وهو أنّ كل مساعدة لهذا البلد مشروطة بحجم الإصلاحات الحقيقية التي تقدّمها حكومة دياب، حكومة اللون الواحد، ومدى قدرتها على مواجهة «حزب الله»، الذي يستفيد من الفوضى والفساد للحصول على التمويل والالتفاف على العقوبات، إضافة إلى تهريب الدولار الى السوق الإيراني، وصفقة أدوية السرطان الايرانية خير دليل.

 

أما الموقف الفرنسي، وتحديداً دعوته الى عدم ربط تعافي الاقتصاد اللبناني بمسألة إيران، فلا يمكن البناء عليه، خصوصاً أنّ فرنسا، التي تسعى باستمرار الى أن يبقى لها موطئ قدم على مسرح الشرق الأوسط، هي تفتقر الى الثقل المطلوب للتأثير في مسار السياسة الشرق أوسطية، ومنها ما يجري في لبنان.

 

وبالتالي، فإنّ مفهوم المجتمعين العربي والدولي لأي مساعدة تكون ببدء الخروج من ترف الاستمرار في الفساد وسوء الإدارة، والإصلاحات الجذرية تكون بإقفال كل قنوات تمويل «حزب الله» والمشروع الإيراني من خزينة الدولة اللبنانية، أو عبر عمليات غير شرعية داخل لبنان أو عبر الحدود على حساب عائدات الخزينة، حسب مصدر دبلوماسي.

 

وهنا يُطرح السؤال، هل ستتمكن الدولة من ان تواجه «حزب الله»، وهو الذي وافق على أخذ مشورة صندوق النقد الدولي من دون الالتزام بما يقرّره الصندوق؟ وكيف سيتمكن لبنان من الحصول على دعم عربي ودولي، في ظل مقاطعة لبنان للخليج العربي، وقيادات المملكة موضع تهجّم دائم في خطابات «حزب الله» وأطراف المحور الإيراني؟

 

لا يكفي ان يؤكّد وزير الخارجية ناصيف حتّي، أمام سفير الاتحاد الأوروبي وفي حضور سفراء دول الاتحاد المعتمدين في لبنان، على سياسة «النأي بالنفس»، والأهمية التي توليها الحكومة للتعاون مع الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي. فالعالم بات يطلب أفعالاً لا أقوالاً. ولا مساعدات إذا لم ينكفئ «حزب الله» عن الإنخراط في مشكلات المنطقة والتدخّل في الشؤون العربية والخليجية، والنأي الفعلي بالنفس، وفق ما تقول المصادر.

 

العالم ينتظر من الحكومة إجراءات ليس كتلك التي تُتخذ في مواجهة «فيروس» المستجد، بل المطلوب أن يفهم من في السلطة، أنّ الأزمة سياسية قبل أن تكون اقتصادية ومالية، والمطلوب معالجة سياسية للأزمة التقنية لا العكس، ووقف هرطقات فصل الاقتصاد عن السياسة. والمطلوب أن يفهم «حزب الله» أنّه من يقود البلد إلى الغرق الفعلي، وفي يده خلاص البلد. فهو إن قرّر، نفّذ، وحسن التنفيذ والقرار يقود لبنان الى تفادي الانهيار الشامل. فلو ادّعى «حزب الله» انّه لم يتورط بملفات فساد، إلّا انّ الواقع يُظهر انّه عكس ذلك. فالحدود الفالتة والتهرّب الجمركي اللذان يستفيد منهما «حزب الله» أليسا فسادًا؟ منع الدولة من بسط سلطتها على الحدود البرية والبحرية والجوية أليس فسادًا؟ محاولات التفلّت من رقابة القوانين المحلية والدولية وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، أليس فسادًا؟، حسب المصدر الدبلوماسي.

 

إنّ «حزب الله» الذي يفاخر أنّه خادم في ولاية الفقيه، ألا يناقض بممارساته تعاميم وتكليفات الولي الفقيه، حيث تُعتبر «قضايا الحفاظ على سلامة المجتمع ومنع الفوضى، وتحريم مخالفة القوانين، والتعرّض للمال العام، والإخلال بالنظام المشروع للبلاد» من المحرّمات؟ علماً أنّ «الإلتزام بموجبات هذا الفقه ليس عملاً اختيارياً، ولو كان مجتمعاً متنوعاً لا يطبّق الشريعة الاسلامية». ويوصي الولي الفقيه في تكليفاته، كما يورد النائب حسن فضل الله في كتابه «حزب الله» والدولة في لبنان»، بـ»وجوب مراعاة مقررات نظام المجتمع، ووجوب مراعاة النظام والقانون، ووجوب حفظ حقوق الدولة ومالها العام». فأين «حزب الله» من هذه التعاميم والسلوكيات؟

 

إنّ «حزب الله» الذي يتحكّم بمفاصل الدولة، مدعو الى التصرّف ولو مرة لبنانياً. فانهيار الهيكل سيكون على رؤوس الجميع، مسيحيين وسُنّة وشيعة، ولا يفيد إلقاء التهم والمسؤوليات، تارة على الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتارة على نجله رئيس الحكومة السابق. المشكل هو سياسي بامتياز، تموضع لبنان في محور «حزب الله»، وفقدانه نتيجة هذا التموضع كل دعم كان يحصل عليه من العالمين العربي والدولي، تضيف المصادر.

 

وفي زمن العودة الى الذات، المطلوب من الحزب أن يعتبر من الأخطاء التاريخية، ويتخذ قرارًا لبنانياً برفع الغطاء عن حلفائه والانكفاء عن التدخّل في الشؤون العربية والخليجية، وأن يسلّم سلاحه إلى الدولة، عندها سيُفتح باب المساعدات عجائبياً على لبنان.