Site icon IMLebanon

حزب الله يُكشِّر عن أنيابه: تصعيد المواجهة والمطالبة بإسقاط الطائف!

 

 

يبدو أن مسلسل الأزمات الذي يتخبّط به لبنان منذ أشهر، ما زال في بداياته المقبولة نوعاً ما، بالمقارنة مع ما هو آتٍ في القريب من الأيام، من تحدّيات أكثر صعوبة وأشد تعقيداً، ومن مواجهات صاخبة ومتصاعدة داخلياً وخارجياً، تزج الجميع: دولة وشعب ومؤسسات، في خضم فوضى سياسية ومالية وأمنية، ليس من السهل التكهن بحجم شراستها ونتائجها السلبية على كل صعيد.

 

إعلان الحكومة التخلّف عن الدفع لديونها المستحقة بموجب سندات اليوروبوند، يعني اعترافاً صارخاً بفشل السلطة وحلفائها في إيجاد صيغة قانونية ومشرّفة لمعالجة الوضع المالي المتعثر حتى الإفلاس، وبالتالي استمرار الضغوط الخارجية التي يتعرّض لها لبنان منذ فترة، تحت عنوان العقوبات الأميركية والغربية على «حزب الله»، باعتباره الذراع العسكرية لإيران في المنطقة, وقد تجلّت طلائع المرحلة الجديدة من هذه العقوبات بالمقاطعة الغربية والعربية لحكومة اللون الواحد، التي لم تستطع حتى الآن اتخاذ أية خطوة، تثبت مقدرتها على تنفيذ الوعود الإصلاحية التي قطعتها في البيان الوزاري، وفي تصريحات رئيسها، وفي مواقف قادة الأحزاب الداعمة لها.

 

في هذه المناخات من الإرباك الداخلي، والتصعيد الخارجي، يستعد «حزب الله»، الراعي الأساسي للحكومة، للتكشير عن أنيابه والمضي قدماً في «معركة المواجهة»، من دون أي اعتبار لمدى قدرة لبنان، الدولة والشعب، على تحمّل انعكاسات هذه المواجهة، إزاء واقع عدم توفر أبسط متطلبات الصمود في مثل هذه المعركة الطاحنة، وبغض النظر عن حالة الاهتراء التي وصلت إليها الأوضاع المالية والمعيشية في البلد.

 

بدأ «حزب الله» التصعيد من خلال عدة مواقف وخطوات ذات مدلولات واضحة، يمكن الإشارة إلى بعضها بالنقاط التالية:

 

١- رفضه المطلق للتعامل مع صندوق البنك الدولي والبنك الدولي في إطار البحث عن مخارج لمشكلة المديونية العامة، وإيجاد الحلول المرحلية المناسبة لها، تحت شعار الممانعة لوضع البلد تحت رحمة تدابير المؤسسات الخاضعة للنفوذ الأميركي. وقد نجح في تغيير الموقف الرسمي في هذا الاتجاه، وظهرت الدولة اللبنانية عارية بعجزها، ومجرّدة من أي تأييد دولي لخيارها الانتحاري.

 

٢- استمرار الحملة الشعواء على البنك المركزي والقطاع المصرفي بكامله، بعد اتهامه بتلبية متطلبات العقوبات الأميركية. مما أدى إلى الحؤول دون حصول أي حوار جدّي ومجدٍ مع المؤسسات المصرفية للتعاون على تجاوز هذه المرحلة الصعبة، وإنقاذ سمعة لبنان الخارجية بعدم القدرة على سداد ديونه. وجاء قرار «منع التصرف بالأصول والأموال العائدة لعشرين مصرفاً»، الصادر عن المدّعي العام المالي بمثابة هز العصا الغليظة ضد المصارف وأصحابها.

 

3- عزل القوى السياسية المعارضة لهذا التوجّه، عن أي تأثير في اتخاذ القرارات الجديدة، والضغط على بعض الحلفاء المشاركين بالحكومة للسير في هـذا الخيار، والتسليم بالخطة التي يعتمدها «الحزب» في هذا الملف.

 

٤- الاستعداد للنزول إلى الشارع لتصدّر حركات الاحتجاج الشعبي على تدهور الأوضاع المعيشية بعد انهيار قيمة الليرة، وتبخر القدرة الشرائية لرواتب الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، الذين سيصلون إلى خط الفقر، طالما بقيت الدولة عاجزة عن لجم التدني السريع للعملة الوطنية، ولم تُفلح في الحصول على المساعدات المالية العاجلة لإنعاش الوضع الاقتصادي الذي يُعتبر في العناية الفائقة، ويُعاني من حالات اختناق قاتلة.

 

٥- عدم الاكتفاء بتحميل عهود وحكومات ما بعد الطائف مسؤولية «السياسات المالية الخاطئة»، والتصعيد باتجاه تحميل صيغة اتفاق الطائف ما آلت إليه أوضاع البلد، والمطالبة بإعادة النظر بالنظام السياسي المنبثق عن الطائف، والدعوة إلى مؤتمر تأسيسي جديد يطوي مرحلة الطائف، و«يتناسب» مع معطيات المستجدات السياسية وموازين القوى الراهنة.

 

ويبدو أن باريس ليست بعيدة عن الأجواء التصعيدية التي يستعد لها «حزب الله»، حيث أوفد الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون وفداً فرنسياً زار لبنان لمدة ثلاثة أيام، اجتمع خلالها مع السيد حسن نصر الله، وحاول إقناعه بأهمية وضرورة التعاون مع صندوق البنك الدولي، وتسهيل التوصل إلى مخارج ملائمة للأزمات التي يتخبّط فيها لبنان، وحرص خلالها السفير الفرنسي في لبنان الإعلان أكثر من مرة بأن هذه الحكومة ليست حكومة «اللون الواحد»، ولا تُمثل «حزب الله» وحده، ولكن محاولات الوفد الفرنسي الذي بقيت زيارته بعيدة عن الإعلام، لم تلقَ التجاوب المنشود وعادت بخفيّ حُنين إلى باريس.

 

واستناداً إلى كل ما تقدّم، ليس من الصعب الاستنتاج بأن «حزب الله» يتصرّف وكأن الحكومة غير قادرة على تحقيق ما هو مطلوب منها، فتقرر الظهور مباشرة على مسرح الأحداث، وتصعيد المواجهة مع الداخل والخارج، في مرحلة تُعتبر الأخطر في تاريخ البلد سياسياً واقتصادياً.