Site icon IMLebanon

اللبنانيون يدفعون أثمان حروب وارتكابات «حزب الله» بالداخل والخارج

 

 

تحكّم «حزب الله» بالواقع السياسي واستعداء العرب والأصدقاء راكم استنزاف الاقتصاد الوطني

 

 

ترتبط المشكلة التي يمرُّ بها لبنان حالياً بكل جوانبها السياسية والأمنية والاقتصادية، ارتباطاً وثيقاً بوجود السلاح غير الشرعي لحزب الله وما يحصل من احداث جانبية، لا تعدو كونها تفاصيل هامشية، لا تقدّم أو تؤخّر بمجرى الأحداث الأساسية إلا بنسب متدنية.

 

فما يعيشه لبنان من توترات وعدم استقرار سياسي وتدهور اقتصادي ومالي لم يحصل هكذا من هباء أو بشكل فجائي، أو كما يستسهل البعض من واجهات الحزب في السلطة بتوصيفه بأنه نتاج «السياسات التي اتبعت في السنوات الثلاثين الماضية» أو نتيجة اعتماد «الاقتصاد الريعي» كما يسمونه ومعظمهم لا يعرف معنى هذا التعبير، وما إلى ما هنالك من توصيفات غير دقيقة لمسببات ما يحصل في الوقت الحاضر، وبالطبع مع تجاهل كامل لما تسببت به سياسات وممارسات وارتكابات وحروب «حزب الله» في الداخل والخارج معاً منذ نشأته تحت راية تحرير الأراضي التي احتلتها إسرائيل وتوجيه سلاحه بعد الانسحاب الإسرائيلي في 25 أيار عام ألفين للتسلط السياسي والاستئثار بالسلطة ومصادرة قرار الدولة اللبنانية والتحكم بمقدراتها لحساب ومصالح النظام الإيراني وبسط نفوذه وهيمنته على حساب مصالح وسيادة واستقرار للشعب اللبناني.

 

اللبنانيون يدفعون الآن اثمان وجود هذا السلاح الإيراني غير الشرعي على أراضيهم وكل ما يقال عكس ذلك ورمي المسؤوليات على الآخرين أو الخصوم السياسيين الذين يناهضون ويرفضون هذا الوجود هو ذرّ للرماد في العيون وإخفاء للحقائق، لا يقدم ولا يؤخر في التوصيف الحقيقي لمجريات وتسلسل الأمور ووقائعها وتفاصيلها ونتائجها منذ توجيه هذا السلاح إلى الداخل اللبناني وخوض غمار الحروب المذهبية والطائفية في سوريا والعراق واليمن وتنفيذ سلسلة تفجيرات وعمليات في الخارج.

 

فالوقائع المتسلسلة بتوجيه سلاح «حزب الله» إلى الداخل، بدءاً من ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري المشتبه فيها عناصر بارزة من الحزب استناداً إلى التحقيقات والادلة التي جمعتها الجهات الأمنية اللبنانية والدولية المكلفة بهذا القضية الإرهابية وما تبعها بعد ذلك من سلسلة اغتيالات لشخصيات وطنية وأمنية بارزة تعارض وجود هذا السلاح، وبعد ذلك تسبب الحزب بالاعتداء الإسرائيلي على لبنان في تموز عام 2006 وما ألحقه من خسائر كبيرة بالارواح والممتلكات وتكلفته المادية بمليارات الدولارات، ثم توجيه السلاح بالتعدي على بيروت في السابع من أيّار المشؤوم والسوداوي واحتلال وسط بيروت التجاري وشل الحركة الاقتصادية وتعطيل المجلس النيابي وعرقلة عمل الحكومة جزئياً.

 

وفي العام 2010 اسقط الحزب حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري خلافاً لكل التعهدات والوعود المسبقة لذلك، وما تبع ذلك من استئثار للحزب بالتحكم في تأليف ورسم عمل الحكومات اللاحقة بالتعطيل القسري بقوة السلاح لانتخابات رئاسة الجمهورية وبعد ذلك فرض انتخاب العماد ميشال عون للرئاسة فرضاً، وبالرغم من التسوية التي رافقت هذا الانتخاب، لم ينتظم مسار السلطة ولم تفلح التسوية مع تيّار «المستقبل» برئاسة سعد الحريري في تحقيق النهوض بالوطن من كل النواحي، وادى أسلوب التعطيل المنظم والمتناسق بين الحزب وحليفه «التيار العوني» إلى استقالة الحكومة وإسقاط التسوية بعد ثلاث سنوات بضغط من الانتفاضة الشعبية العارمة في 17 تشرين الأوّل ودخول لبنان في حال من عدم الاستقرار السياسي.

 

يجمع الخبراء ومعظم أعضاء الحكومة والمصرفيين على تجنّب توجهات الحزب السلبية وغير المجدية والاتجاه لطلب مساعدة صندوق النقد الدولي

 

 

 

لم يقتصر تدخل «حزب الله» وارتكاباته واستغلال سلاحه بهذه الأحداث فقط، بل امعن في استعداء منظم ومتواصل منذ سنوات للدول العربية والخليجية على وجه الخصوص، واتخذ منحى الاستعداء بعداً تصعيدياً بمحاولات دؤوبة مع بعض الأطراف السياسيين ولا سيما منهم بالفريق الرئاسي لضم لبنان لسياسات المحور الإيراني على حساب علاقاته مع أشقائه العرب في أكثر من مناسبة، ما اثر سلباً على العلاقات الأخوية مع هذه الدولة، في حين أدى إطلاق الأمين العام لحزب الله سلسلة تهديدات ضد الوجود الأميركي بالمنطقة انطلاقاً من لبنان إلى تعريض أمن لبنان واستقراره للخطر وزاد من حدة هذا الخطر تصاعد وتيرة الصراع الأميركي الإيراني بالمنطقة عموماً.

 

كل هذه الوقائع والأحداث المتداخلة راكمت استنزاف الواقع الاقتصادي وتأثر علاقات لبنان بمحيطه العربي والعالم الخارجي سلباً وزيادة الضغوط الدولية عليه، في حين ضاعفت التغطية السياسية للحزب لتولي التيار العوني لقطاع الكهرباء على مدى أكثر من عشر سنوات استمرار هدر مليارات الدولارات دون جدوى وزيادة خسائر الخزينة اللبنانية إضافة إلى تراجع ملحوظ في مداخيل الدولة جرّاء الاهتزازات السياسية المتواصلة وعدم انتظام الواقع السياسي والسلطوي واستمرار تفلت المعابر المحمية من الحزب من أي رقابة رسمية، ما زاد في زيادة الدين العام.

 

وللدلالة على استئثار «حزب الله» بالواقع السلطوي، أعطى تشكيل الحكومة الحالية برئاسة حسان دياب دليلاً اضافياً على تحكم الحزب بعملية تشكيل الحكومة بقوة السلاح غير الشرعي، بالرغم من كل محاولات التمويه والاختباء وراء شخصيات أكاديمية أو تقنية غير مرتبطة حزبياً أو سياسياً، بشكل مباشر بهذا الطرف أو ذاك.

 

ولعل ما تكشف في السياسة التي تتبعها الحكومة منذ تأليفها وظهر بوضوح في الكلمة التي ألقاها رئيسها يوم السبت الماضي وتبنى فيها بشكل كامل التوجهات المسبقة التي اعلنها «حزب الله» مسبقاً على لسان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم برفضه خيار الاستعانة بصندوق النقد الدولي للمساعدة في حل الأزمة المالية التي يواجهها لبنان والامتناع عن دفع استحقاق دين سندات الخزينة بالعملة الأجنبية، اقوى دليل على مدى التزام الحكومة وانصياعها لتسلط الحزب وسياساته بالرغم من عدم جدواها في حل الأزمة القائمة أو تقديم الحلول المطلوبة، في حين يُجمع الخبراء ومعظم أعضاء الحكومة والمصرفيين على تجنّب توجهات الحزب السلبية وغير المجدية والاتجاه لطلب مساعدة صندوق النقد الدولي، باعتباره المؤسسة المالية الدولية الوحيدة تقريباً التي تستطيع مساعدة لبنان في هذا الظرف بالذات بالرغم من كل الضوابط والشروط التي يفرضها، وذلك بفعل سياسة الاستعداء المستشري التي تسبب بها الحزب وحلفاؤه ضد الأشقاء والأصدقاء حول العالم واستنكافهم عن مد يد المساعدة للبنان بفعل هذه التصرفات العدائية المسيئة.