إتهامات عدّة وجّهت الى «حزب الله» بعد اعتراضه على الاستعانة بـ»الوصفة المعلّبة» لصندوق النقد الدولي من اجل احتواء الأزمة الاقتصادية. ولكن، ما هي الحقيقة الكاملة لموقف الحزب والى اين تصل حدوده؟
خلال اجتماع عُقد قبل فترة في عين التينة بين مسؤولين من حركة امل و«حزب الله» برئاسة الرئيس نبيه بري، جرت مناقشة مستفيضة للواقع الاقتصادي- المالي وللإيجابيات والسلبيات المترتبة على التعاون مع صندوق النقد الدولي في مواجهة الأزمة.
آنذاك استقرّ الرأي لدى الثنائي الشيعي على المعادلة الآتية: لا للانخراط في برنامج شامل مع الصندوق ونعم للمشورة التقنية.
ولاحقاً، صدرت مواقف عن قياديين في «حزب الله»، تصبّ في الاتجاه ذاته وتؤكّد رفض «الوصفات الجاهزة» التي اشتهر بها الصندوق في التعامل مع أزمات مماثلة لتلك يمرّ فيها لبنان حالياً، وذلك بالنظر الى ما يمكن ان تجرّه شروطه القاسية في مقابل منح مساعدات مالية، من تداعيات اجتماعية وخيمة وصولًا الى احتمال فرض الوصاية الاقتصادية والسياسية على لبنان.
هذا المنحى الذي اعتمده الحزب، ولاسيما عند بدايات التداول في خيار الصندوق، دفع جهات داخلية عدّة الى اتهامه تارة بتعطيل الحلول الممكنة للمأزق الحالي نتيجة حساباته السياسية الخاصة، وطوراً بالسعي الى الإبقاء على جزره داخل الدولة وحماية منظومة الفساد من تبعات تدابير صندوق النقد التي تتضمن فتح دفاتر قديمة ونبش ملفات متراكمة، مع ما يعنيه ذلك من افتضاح ارتكابات تلك المنظومة وكشف خفاياها.
وحتى «التيار الوطني الحر» وقف على مسافة من طرح الحزب، وبدا غير مقتنع به، الأمر الذي فتح الباب على كلام حول خلاف بين الحليفين في هذا الشأن الحساس والحيوي.
ولكن، ما هي نظرة الحزب الدقيقة والحقيقية الى خيار التعاون مع صندوق النقد، وهل تتحمّل كل هذه التأويلات والاتهامات؟
كان لافتاً قبل ايام قليلة إطلاق الحزب إشارات بدت مرنة نسبياً حيال فرضيات الدعم الخارجي، انما من دون ان يتخلّى عن ثوابته، وهذا ما عكسه عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق، بتأكيده أنّ «حزب الله يرحّب بأي مساعدة خارجية شرط أن لا يتمّ التسلّل لفرض وصاية وهيمنة خارجية على لبنان، فنحن لا نريد أن نرهن اقتصادنا ومجتمعنا ومستقبل أهلنا لجهات خارجية، وفي الوقت نفسه حريصون على الإصلاحات التي تشجع الجهات الخارجية على تقديم المساعدات».
وتفيد المعلومات، انّ نقاشات داخلية مكثفة جرت اخيراً في اروقة الحزب حول هامش التعاطي مع صندوق النقد والخيارات الممكنة، للتخفيف من وطأة المأزق الراهن، وفرص الخروج من النفق بأقل الخسائر الممكنة.
ووفق المعلومات، أعاد الحزب، الى حدٍ ما، «ركلجة» إيقاع موقفه ازاء الصندوق، ونمط مقاربته له، على قاعدة اقتناعه بأنّ الأزمة الحادّة تتطلب نوعاً من البراغماتية في السلوك، انما من غير تبديل جوهر اعتراضه على مبدأ الاستسلام للشروط العلاجية المعلّبة او التسليم بها، كأنّها قدر لا يُرد.
ولعلّ حرص الحزب على عدم الإنزلاق الى اشتباك عبثي وواسع النطاق مع مرجعية مالية عالمية، عبّر عنه النائب حسن فضل الله بقوله لوكالة «رويترز» قبل ايام، انّ «الرفض هو للشروط التي يتضمنها برنامج صندوق النقد، سواء جاءت منه أو من أي جهة أخرى. وهذا الموقف ليس من الصندوق كمؤسسة مالية دولية بل من شروطه، لأنّها تؤدي إلى ثورة شعبية في لبنان».
ويؤكّد العارفون، انّه وخلافاً لانطباعات البعض، لا يستند «حزب الله» في رفضه خيار الارتماء في احضان صندوق النقد الى موقف عقائدي ضده، وانما يرتكز على اعتبارات موضوعية تتصل بالأضرار التي ستلحق بجميع اللبنانيبن جراء اي انقياد كامل خلفه.
وبهذا المعنى، فإنّ العارفين يوضحون بأنّ الحزب ليس في صدد افتعال معركة مباشرة ضد الصندوق في حدّ ذاته، بل هو يعتبر انّ المشكلة هي مع مضمون برنامجه القاسي الذي يأتي في العادة «ستاندر»، اي انّه يكون كناية عن سلة واحدة ومتكاملة من البنود الصعبة والمؤلمة التي يتمّ عموماً فرضها على اي دولة تستنجد به، «امّا طلب المشورة التقنية منه استناداً الى خبراته وتجاربها العابرة للحدود، فأمر يرحّب به الحزب ولا يتحسس منه».
ولا يمانع «حزب الله»، كما يؤكّد المطلعون، في ان تعرض الحكومة خطتها الإنقاذية الشاملة، بعد انجازها، على خبراء الصندوق لمعرفة رأيهم فيها وملاحظاتهم عليها، ما دام القرار النهائي والحاسم سيبقى في حوزتها.
المهم بالنسبة الى الحزب هو ان يخرج برنامج المعالجة من جعبة الحكومة وليس من صندوق النقد، «وبعد ذلك لا مشكلة في اي تشاور تقني او تبادل للآراء معه بهدف تحسين او تصويب الاتجاه، تحت سقف مراعاة المصالح اللبنانية العليا وتحصين الفقراء وذوي الدخل المحدود، الذين يكونون في معظم الاحيان ضحايا كل عملية جراحية يتفرّد بها الصندوق المعروف بأنّه صاحب مبضع حاد لا يرحم».
وفي هذا السياق، يحذّر «حزب الله» من انّ وصفة صندوق النقد الجاهزة تلحظ على سبيل المثال تخفيض حجم القطاع العام بنسبة كبيرة، الامر الذي سيؤدي الى فقدان كثير من الموظفين اللبنانيين اعمالهم، في ظروف لا تتحمّل رفع معدلات البطالة، كذلك تفرض زيادة هائلة على ضريبة القيمة المضافة التي ستصل الى حدود الـ20 في المئة تقريباً، اضافة الى إلزام لبنان بالخصخصة الكاملة لقطاعات حيوية، وغيرها من التدابير التي تصيب الشرائح الشعبية الأضعف، ما يهدّد، في رأي الحزب، بحصول انفجار اجتماعي كبير، «خصوصاً انّ قدرة الناس على التحمّل والتكيّف تكاد تنعدم، بعدما تفاقمت الضغوط الاقتصادية والمالية عليهم في المدة الاخيرة واستنزفت طاقتهم ومناعتهم».
ويلفت القريبون من «حزب الله» الى انّه يرفض الشروط العلاجية التي لا تناسب وضع لبنان، بمعزل عن مصدرها، سواء كان صندوق النقد الدولي او غيره، «بل هي مرفوضة لديه حتى لو طرحتها ايران».
ويشير هؤلاء، انّ الحزب ليس الوحيد في هذا الموقع، «اذ سبق للرئيس سعد الحريري ان اوضح من قبل، انّه لا يمكن قبول كل شروط صندوق النقد».
كذلك يُنقل عن الرئيس نبيه بري تشديده امام بعض النواب على معارضة الاحتكام الى برنامج الصندوق، معتبراً انّ من واجب لبنان ان يضع خطته الاقتصادية الاصلاحية، «ولا بأس في ان يعرضها على الصندوق، فإذا وافق عليها او اقترح بعض التعديلات المقنعة يكون ذلك جيداً، واذا عارضها سنظل متمسكين بها ما دمنا واثقين في انّها مفيدة للبنان».
ويستغرب القريبون من الحزب، تفسير البعض تمسّكه بضوابط وطنية للتعاون مع الخارج بأنّه اعتراض على الإصلاحات الجذرية وتغطية للفاسدين، «في حين سبق له ان اطلق مواجهة لا هوادة فيها ضدّ الفساد ودعماً للإصلاح».