هل يمكن التعايش مع فئة تحارب اللبنانيين في صحتهم وتُهدّد مستقبلهم؟!
أعطت أزمة وصول فيروس كورونا إلى لبنان النموذج الأمثل لحكم «حزب الله» في لبنان، وقدّمت للبنانيين والعالم أسلوب إدارة الأزمات الذي يتقن الحزب ممارسته في ظل حاجة الشعب لإدارة شفافة ورشيدة تضمن سلامتهم وتحسن توظيف مواردهم، وتعلي شأن المصلحة العامة على المصلحة الحزبية والمذهبية، وتجعل الدولة المرجع الفاعل في حماية الناس وتأمين الوقاية والرعاية الصحية على سائر الأراضي اللبنانية.
خطايا «حزب الله» في ملف كورونا
بدل التعامل مع تفشي وباء كورونا وفق القواعد العلمية المعتمدة في لبنان والعالم، وضع «حزب الله» قواعده الخاصة، إنطلاقاً من مفاهيم عقائدية أدّت إلى تغليب مصلحة إيران على مصلحة الشعب اللبناني، حيث قام الحزب بتعطيل مفعول الحكومة وحوّلها تدريجياً إلى أداة تنفيذية لسياسته في التعاطي مع الأزمة، والتي قامت على الخطوات الآتية:
الإنكار والمكابرة
– اعتماد سياسة الإنكار في بداية الأزمة والمكابرة تجاه حقيقة أن إيران مصدرٌ رئيس من مصادر وباء كورونا، وهذا دفع بالبيئة الحاضنة للحزب إلى اعتماد النكايات ورفض الخضوع للفحوصات الطبية والإصرار على التصرّف وكأنه لا توجد أزمة، مما أدى إلى نشر الفيروس على نطاق واسع في الضاحية ومناطق الجنوب وبعض قرى البقاع، خاصة في أوساط العائدين من زيارة العتبات ومن مدينة قم.
وما فاقم هذه الظاهرة، صدور مواقف ترفض اللجوء إلى الإجراءات الطبية وتدعو للعلاج باللجوء إلى المراجع وأتربة الأضرحة.. ولعل الجميع شاهد قيام بعض زوار الأضرحة بـ«لحس» النوافذ والجدران نكاية بما يعتبرونه دعاية تستهدف «مقدساتهم»، كما قرأنا أيضاً موقف مقتدى الصدر من مسألة التداوي بالعلاجات الأميركية وقوله إنه لا يريد أي دواء من ترامب «لأنه ملحد»، مشيراً الى أنه وأنصاره يلجأون إلى الله في العلاج من الأمراض.
تفضيل مصلحة إيران
وضع الأولوية للاعتبارات السياسية في مقاربة تدفـّق الطائرات الإيرانية إلى لبنان، كما أعلن حرفياً وزير الصحة حمد حسن لدى سؤاله عن هذا الموضوع. وهذا يحسم الجدل عن الأفضليات وعن المرجع الحاكم في هذه المسألة وغيرها، وهذا بالتأكيد، منع الكثير من التدابير الوقائية وحوّل البلد إلى مستوردٍ للكورونا على مدار أيام الأسبوع.
شلّ الحكومة
تجميد الحكومة وتكبيل الأجهزة العلمية في الوزارات وإخضاعها لسياسات الحزب المباشرة، سواء كان ذلك في وزارة الصحة، أو في سائر الوزارات، مما خلق حالة إرباكٍ شديد أخـّرت الخطوات المطلوبة، والمبادرات الفعّالة التي يجب إطلاقها بشكلٍ فوريّ.
رعاية الفساد وصولاً للعجز الصحي
أدّت رعاية «حزب الله» لمنظومة الفساد وتشجيعه لتوجّهات الهدر وتضييع المال العام، التي تفاقمت مع بدء عهد الرئيس ميشال عون، إلى سقوط الدولة وصولاً إلى حالة الإنهيار الذي باتت عاجزة بسببه عن تأمين الأساسيات، وخاصة في المجال الصحي، حيث يعلم اللبنانيون أن النقص الحاد في المستلزمات الطبية بات يهدّد مصيرهم ويجعلهم مهدّدين بالموت من أبسط الإصابات.
والأنكى من هذا أن الحكومة مستمرة في تجاهل أولوية تأمين الأموال اللازمة لاستيراد المستلزمات الطبية، مع توقع تفشي وباء الكورونا إلى ما يزيد عن الخمسين في المائة بعد القفز عن نسبة الثلاثين في المائة التي تناور الحكومة حولها، وتمتنع عن إعلان حالة الطوارئ الصحية إستناداً إليها.
إسقاط سمعة مطار رفيق الحريري الدولي
خلافاً لكلّ منطق ولكل معايير السلامة الصحية رفضت حكومة الرئيس حسان دياب وقف الرحلات من إيران إلى لبنان، والإمتناع عن تطبيق الحجر الصحي على القادمين، فسقطت سمعة مطار رفيق الحريري الدولي سقوطاً مدوّياً، مع انكشاف غياب الإجراءات الصحية بحدودها الدنيا، وتمرير المسافرين اللبنانيين والإيرانيين بدون إجراءات الفحص والحجر، بل وصل الأمر إلى حدود اقتحام مجموعة من مسؤولي «حزب الله» برفقة عدد من الأمنيين لحرم المطار وإدخال الركاب عنوةً وخروج بعضهم بدون ختم جوازات سفرهم وسط فوضى عارمة وثّقتها كاميرات هواتف البعض في المطار عند وصول طائرة الأربعاء الماضي القادمة من إيران، وهذا ما جعل سمعة المطار من الأسوأ في العالم.
توجّهات الحزب.. سياسات عليا للدولة
لا يمكن الاعتماد على الإجراءات الشكلية لوزارة الصحة والمستشفيات بينما يقوم «حزب الله» بخرق كل القواعد الصحية، وتحويل توجهاته الخاطئة إلى سياساتٍ عليا للدولة، إرتباطاً بمصالح إيران وإنقاذاً لمفاهيمه العقائدية، المرتبطة بقداسة العتبات والمقامات التي يبني دعايته على أنها مصدرٌ للشفاء الروحي والجسدي في آن واحد، وما فعله الكورونا أنه كشف زيف دعاية الشفاء الجسدي وأسقط أوهام الجذب نحو ممارساتٍ طوّرها نظام ولي الفقيه لتصبح مقدّساتٍ لم تكن موجودة قبل الثورة الإيرانية، وحوّلها إلى مصدر تجنيدٍ وتمويل.
النموذج الإيراني للحكم.. في لبنان
في لبنان، أثبت حكم «حزب الله» أنه نسخة مطابقة للنظام الإيراني، لأنه يفضّل إستقبال وحماية القيادات الإيرانية في المناطق الواقعة تحت سيطرته من فيروس كورونا على معالجة شعبه وناسه، الذين تركهم عُرضةً للوباء بدون أيّ وقاية أو رعاية. وكما نشرت إيران العدوى في الدول المجاورة، ترك الحزب الفيروس ينتشر بكل بساطة، من خلال استمرار إدخال اللبنانيين القادمين من إيران والإيرانيين الآتين براً وجواً، للحماية والإستشفاء، وسط انهيارٍ مرتقب للمنظومة الصحية، بسبب انعدام الموارد والتلكؤ عن الاستجابة للحاجات الطبية الملحة.
في إيران إنهار النظام الصحي أمام هجمة الكورونا، وتفيد معلومات المعارضة الإيرانية عن وجود ما يزيد عن ثمانية ملايين مصاب وما يتجاوز الثمانية آلاف حالة وفاة، وأن السلطات الإيرانية تفضّل التخلص من المصابين من أبناء الطبقات الفقيرة على أن تتكبد عناء معالجتهم، وأن هذه السياسة بدأ تطبيقها مع اكتشاف الانتشار الواسع للوباء في مختلف المحافظات الإيرانية.
وفي لبنان تمكن «حزب الله» من إقامة منظومة حماية صحية لقياداته وكوادره، وترك الشعب اللبناني يعاني من انهيار النظام الصحي، ربما ظناً منه أنه بذلك يستفيد من إضعاف اللبنانيين وإغراقهم في هموم الوباء لتجاوز الأزمات الإقتصادية الطاحنة، وهذا هو النموذج الذي ينتظر اللبنانيين تحت حكم «حزب الله».
هل يمكن التعايش مع «حزب الله»؟
هذا النموذج بات يدفع معظم اللبنانيين إلى التساؤل عما إذا كان يمكن فعلاً الإستمرار في العيش مع فئة بلغ ارتهانها للخارج حدّ التفريط بحياة وصحة شرائها في الوطن، كما سبق أن فعلت في مغامراتها العسكرية داخل وخارج لبنان، وأيّ مستقبلٍ لهؤلاء الشركاء مع الإستباحة الكاملة للدولة ومؤسساتها وإخضاعها القسري لتوجهاتٍ تتناقض مع مصالح الشعب، خاصة أن هذه التجربة تتزامن مع تزخيم «حزب الله» لجهوده من أجل فرض التغيير على النظام السياسي بعد أن استكمل إحكام قبضته على مواقع الدولة الدستورية، من الرئاسات الثلاث إلى أدنى موقعٍ أمني وإداريّ.