غياب سياسي قاتل وسط «حكومة ميتة» في زمن «كورونا» وتداعياته.. والعين على الجيش لحفظ الكيان
جاء إعلان رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيد هاشم صفي الدين عن خطة الحزب لمكافحة وباء كورونا ليشكل صدمة إيجابية في البيئة الشيعية، وفي مناطق نفوذه. سعى صفي الدين إلى الإشارة للجهد المشترك وحركة «أمل» في مناطق انتشارهما للتأكيد على دور «الثنائي الشيعي» وتلازمهما كتلة متراصة في إدارة شؤون العباد من كبيرها إلى صغيرها، سياسياً وأمنياً وإدارياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً حيث الثقل البشري لهما. كان لافتاً أن يصدر بيان مشترك عن مكتب شؤون البلديات في «الحزب» و«الحركة» ليزف إلى اللبنانيين قرار دفع مستحقات البلديات بناء لاتصالات أجراها رئيس مجلس النواب نبيه بري مع وزيري الداخلية والمالية. لم يأتِ البيان عن مكتب بري بوصفه رأس السلطة التشريعية، بل عن الإطار الحزبي والمجتمعي الذي يمثله و«الحزب»، في خطوة تحمل الكثير من المعاني: «إننا الضمانة».
يأتي الإعلان عن خطة جبه «كورونا» ليطغى على حالة الامتعاض التي عاشتها بيئة «حزب الله» وحلفاؤه المساهمون فعلاً في تاريخ المقاومة على وقع إطلاق سراح عامر الفاخوري وشعور تلك الشريحة بأن ثمة تواطؤاً أو تخاذلاً حصل من حلفاءٍ في السلطة المحسوبة كلياً على محور «الممانعة» ورافعتها المتمثلة بـ«الحزب». اهتزت صورة «المارد الذي لا يُهزم»، بحيث أن الضغوط الأميركية على حلفاء «الحزب» نجحت، وتمّ ليّ ذراعه في هذا الملف. ستتوالى الضغوط، وكذلك الأثمان.
على أن المشهدية التي قدّمها صفي الدين أحاطتها الدهشة. دهشة يعتريها إما الافتخار وإما الانقباض، حسب الزاوية التي ينظر منها المرء. قال إن جهوزيتنا عالية: كادر بعديد 24500 شخص بين طبيب وممرض ومسعف وكوادر صحية وميدانية، 32 مركزاً طبياً احتياطياً في كل المناطق اللبنانية، مراكز تشخيص طبي لتقييم وفحص الحالات وتحديد الإجراءات المطلوبة، تجهيز مستشفى السان جورج لاستقبال مصابي كورونا إذا اقتضت الحاجة، والعمل على تجهيز أماكن للعزل وأماكن للحجر من فنادق ومنتجعات لوضعها في تصرف وزارة الصحة، 100 سيارة إسعاف مختصة، 25 سيارة مجهزة بأجهزة إنعاش وتنفس اصطناعي، لجان قرى وأحياء، جيش من المتطوعين، موقع الكتروني متخصص، كتيبات إرشادية… إلخ. وكشف أن هناك قدرات كان «الحزب» جهّزها للحرب المقبلة مع العدو ولكن قام بتسخيرها الآن لخطة مواجهة الأزمة الصحية وفيروس «كورونا» تشمل مهندسين بدأوا بجهود لصناعة أجهزة تنفس اصطناعي بحسب المواصفات العالمية.
باختصار، يقول «حزب الله» إنه صمّام الأمان لبيئته، يُقدّم اليوم مقاومة مجتمعية بعد مقاومة عسكرية أوجد من خلالها لطائفته موقعاً متميزاً بين الطوائف اللبنانية. هو يعلم علم اليقين أن جمهوره يثق به وبقدرته. سبق أن اختبره بعد حرب تموز 2006. هذا الجمهور لا يهمه مصدر الأموال، من إيران أو شبكات تهريب البضائع والمخدرات العابرة للقارات، وما إذا كان الثمن نشوء دويلة داخل الدولة أو تفريغ الدولة، حتى أن تلك المقاومة الاقتصادية التي يطالب اللبنانيون بانتهاجها تلقى ترحيباً في بيئته التي لا تُعير أي أهمية لطبيعة النظام الاقتصادي الحر للبنان ولا طبيعته السياسية، إذ إنها لا تجد مكاناً لها بين جنباته.
ارتياح في قلب البيئة الشيعية لنموذج «المقاومة المجتمعية»..والأسئلة تغيب عن الثمن
في هذه المعركة الصحية، سيجد «حزب الله» فرصة ذهبية في إرساء نموذج مختلف، حيث اليد الطولى له في مناطقه. سيكون النموذج مختلفاً عما يمكن أن تقدمه الدولة، حتى لو كانت وزارة الصحة في يده. هو قادر على المبادرة سريعاً. قصد أن يعلن أنه أنفق 3.5 مليارات ليرة لمواجهة الأزمة وجمعية الإمداد لوحدها تساعد 16000 عائلة قبل كورونا وحالياً، وأنه تالياً لن يتوانى عن إنفاق ما تتطلبه المرحلة لتجاوز المحنة. قدرته على القيام بهذه المهمة مضمونة النجاح قياساً لما خبره من مهام أخرى أكثر تعقيداً.
سبق أن أطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليعلن «أنه قد يأتي وقت لا تستطيع الدولة اللبنانية دفع الرواتب وينهار الجيش والقوى الأمنية وإدارات الدولة ويخرب البلد، لكن حزبه سيظل قادراً على دفع الرواتب. واليوم، بتلك الخطة، يؤكد أن حزبه سيكون الأقدر ضمن المكونات اللبنانية على مجابهة الفيروس القاتل. وإسقاطاً على الواقع اللبناني، فإن مناطق نفوذ «الحزب»، أو «الثنائي الشيعي»، ستكون هي الأقدر على التصدّي لهذا الوباء، على الرغم من أن أسئلة كثيرة طرحت حول ما إذا كان حجم التدابير والإجراءات التي أعلنها صفي الدين هي نتاج معطيات خاصة يملكها «الحزب» دون سواه، أم أنها فقط من باب الاحتراز.
ليس «حزب الله» وحده من خطى في هذا الاتجاه. قبله، طرح الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الصوت عالياً منبهاً من الأزمة المعيشية الآتية بفعل الانهيار الاقتصادي – المالي. عمل على تحضير مناطق الجبل لمواجهة موجة الجوع والفقر الآتية دون هوادة. حَفّز على التكاتف والتضامن والعودة إلى الأرض والاكتفاء الذاتي. وسخّر كل إمكانات حزبه وكوادره ومناصريه في خدمة المعركة الاجتماعية. فكان أكثر حضوراً على التعامل مع أزمة «كورونا»، وإن كان يعتقد أن تداعياتها تتخطى كل ما سبق أن مرَّ على لبنان، حتى من الغزو الإسرائيلي، وأن التحضيرات التي جرت في مناطق نفوذه ما قبل «كورونا» ما عادت تكفي خلاله ولما بعده.
لكن جنبلاط، العارف بتعقيدات التركيبة اللبنانية وتوازناتها والخلل الذي يصيبها راهناً، وحال الفراغ الوطني الذي يصيب لبنان دولة وقيادات وزعامات، لا ينفك عن دفع الدولة بقوة للتحرّك بثقلها، وعينه عليها وعلى دور القوى الأمنية والجيش، تفادياً للسقوط في فخ «الكانتونات» والأمن الذاتي الذي خبره في زمن الحرب، ويخاف من أن يؤدي الجوع الواقف على الأبواب إلى انهيار كل معالم الدولة، فيما السؤال المرعب عن الغياب السياسي القاتل وسط حكومة ميّتة!.