يغيب الأمن والأمن القومي عن الإعلام الإسرائيلي في زمن الكورونا، وإن كانت تداعيات الفيروس تنسحب أيضاً على الشأن الأمني بمعانٍ استراتيجية. لكن ما بين الإثارة والسبق إلى الإخافة وخشية الجمهور المباشرة على الحياة، يغيّب الإعلام العناوين الأمنية، إلا ما يفرض نفسه.
مع ذلك، الأمن في زمن الكورونا لا يغيب عن طاولة التقدير والقرار في تل أبيب، ويثير جملة من الأسئلة إزاء العلاقة (والتأثير) بين الفيروس والتحديات الأمنية، ومنها ما هو تحدّ استراتيجي بل وأيضاً وجودي، ما يدفع إسرائيل إلى محاولة إفهام الطرف الآخر أن وجود الكورونا لا يلغي متابعتها وأجهزتها الأمنية لمواجهة التهديدات على أنواعها، كما توثّبها الدائم وجاهزيّتها للعمل الوقائي والاستباقي.
قد يكون واحداً من أهمّ الاعتبارات التي دفعت تل أبيب إلى شنّ اعتداءات أخيراً في الساحة السورية هو تأكيد أن مستوى الجاهزية والمتابعة لا يزال على حالته السابقة. إلا أن التأكيد الميداني في سوريا، بوصفه واحداً من أهداف الاعتداء، يتعذّر اتّباعه في الساحة اللبنانية، لخصوصيتها ولمستوى الردع فيها، الواقع الذي يٌعدّ بدوره تحدّياً مستجداً على طاولة القرار في تل أبيب.
في ورقة بحثية صدرت أخيراً عن معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، برزت أسئلة حول تأثير الكورونا وتعاظم حزب الله التسليحي النوعي، الذي يعرف في إسرائيل بـ«مشروع دقة الصواريخ»: هل يستغل حزب الله الفيروس وانشغال إسرائيل في مواجهته، كي يحثّ خطاه أكثر في مشروع الدقة؟ السؤال وإن كان مخصصاً في الأساس لتوصيف هواجس ومستويات قلق في تل أبيب إزاء استغلال الأعداء لظرف استثنائي يشغل إسرائيل، إلا أنه في دائرة المعقولية والإمكان يُعَد كاشفاً بقدر ما عن معضلة إسرائيلية لا تنقطع إزاء الساحة اللبنانية.
بحسب الورقة الصادرة عن المعهد، أحد التهديدات الآنية التي تواجهها إسرائيل وتفرض عليها دراسة خياراتها إزاءها، هو تحفيز الكورونا مشروع إنتاج وتطوير الصواريخ الدقيقة شمالاً، سواء في سوريا أو في لبنان، «إذ قد يعتقد حزب الله وإيران بأن الضغط الكبير جداً الذي يواجه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نتيجة النقص في الموارد البشرية جراء الكورونا، يعدّ فرصة لتطوير خطوط الإنتاج وحمايتها في سوريا ولبنان وكذلك جهود تخزينها».
هل يستغل حزب الله انشغال إسرائيل في مواجهة «كورونا» كي يحثّ خطاه في «مشروع الدقة»؟
يتقاطع ذلك مع ما ذكر في صحيفة يديعوت أحرونوت أخيراً، عن «رسائل تهديد» أرسلتها إسرائيل إلى محور المقاومة، من دون الإشارة إلى كيفية الإرسال ووسائل نقلها، تحذّر فيها من «استفزازها»، وأنه «إذا ظن أحد أن إسرائيل مشغولة بفيروس كورونا عن شأنها الأمني، فعليه أن يعيد حساباته، لأنها لن تسكت عن أي استفزاز أو أي ضربة تتلقاها، وسيكون ردها حاسماً».
في الموازاة، يفترض أن يكون السؤال نفسه موجوداً على طاولة القرار لدى حزب الله: هل يشكل ما قد تراه إسرائيل من انشغال حزب الله بمتابعة ومواجهة الفيروس في بيئته المباشرة وفي الساحة اللبنانية عموماً، فرصة لها كي تعيد محاولة تغيير قواعد الاشتباك البينية؟ وهل تؤدي التقديرات المغلوطة إلى الاعتقاد أن مستوى انشغال حزب الله من شأنه الحؤول دون رد على مبادرة اعتدائية إسرائيلية؟ سؤالان من ضمن سلّة أسئلة تفرض نفسها، وتوجب التأمل في إمكانات تحقق سيناريواتها.
اتجاهات التفكير على جانبي المتراس، التي يمكن وصفها بالوقائية، هي أكثر من معقولة، ولا يمكن نفي تحققها بالمطلق، وهي تفرض نفسها على الجانبين وتدفعهما أكثر إلى مزيد من اليقظة والمتابعة. إلا أن المؤكد أكثر أن ظرف الكورونا الاستثنائي، من دون سلاح المقاومة ومستويات ردعه، كان ليكون كافياً في ذاته لدفع إسرائيل كي تفرض مصالحها وأجندتها السياسية والاقتصادية على لبنان بلا إبطاء. السلاح وقدرته على إيذاء إسرائيل، حال حتى الآن دون أطماعها.