وساطة «حزب الله» تصطدم بالتصلب وخيار التأجيل متقدّم
كل العالم مستنفر لمواجهة فيروس كورونا. كارثة كونية بدلت الأولويات وقلبت المعايير وأشغلت الحكومات.. إلا في لبنان الحكومة والسلطة مستنفرة لتلبية رغبة جبران باسيل بالتهام التعيينات، المسيحية وأكثر، مستفيدا من الانشغال العام بكورونا.
وفي وقت يواصل عداد الإصابات في لبنان بالارتفاع، وقد بلغ امس 427 إصابة، وسط استنفار تنفذه وزارة الصحة بقدر الموجود، وإزاء التساؤلات المشروعة المتعلقة بالشق الاجتماعي والحياتي للأزمة، خصوصًا آليات تنفيذ خطة الحكومة لمساعدة الأسر المحتاجة لناحية الالتباسات الكثيرة المتعلقة باختيار هذه الشريحة واحتمال تداخل ذلك مع المحسوبيات، جريًا على التقليد اللبناني العريق… وسط كل ذلك من المفترض أن ينعقد مجلس الوزراء اليوم في بعبدا، في جلسة عنوانها التعيينات المالية في نيابة حاكمية مصرف لبنان ومفوض المصرف لدى الحكومة ولجنة الرقابة على المصارف، التي اثارت الانقسام مجددا لا سيما على المراكز المسيحية بين التيار الوطني الحر من جهة، والمردة من جهة أخرى.
وفي آخر المعلومات المتوفرة، لم تفض الاتصالات والوساطة التي يقوم بها «حزب الله» لإحداث خرق في جدار التأزم بين الطرفين، وبالتالي لم يحصل أي تطوّر إيجابي لتقريب وجهات النظر، ما يضع الجلسة أمام احتمالين: التأجيل برمته، أو عقد الجلسة وتأجيل بند التعيينات فيها، وهو الراجح. في وقت ذكرت معلومات متقاطعة أن باسيل لم يمانع بحصول «المردة» على منصب مسيحي من أصل ستة، وهو كان طالب على لسان الوزير السابق بمنصبين.
على الجانب الآخر، تردد أن الاتفاق على الاسماء بات منجزًا على حصة رئيس مجلس النواب نبيه بري (بعد تلويحه بسحب ممثليه من الحكومة الذي فعل فعله على أكثر من صعيد)، على ان تذهب الحصة السنية الى الرئيس حسان دياب الذي تسرب مصادره منذ أيام اسمين مرشحين لمنصبي نائب حاكم مصرف لبنان ورئيس لجنة الرقابة على المصارف على قاعدة التجديد في كل المناصب، وعدم التجديد لأحد. وبالتالي يكون هذا الاعتبار نوعاً من الالتفاف على الاعتراضات التي عبّر عنها رؤساء الحكومات السابقون على خلفية استشعارهم هجمة للاستيلاء على المواقع الإدارية المتقدمة في الدولة وفق منطق المحسوبيات والمحاصصة على حساب الكفاءة والخبرة والنزاهة، خصوصا بعدما ضجت الصالونات بمعلومات حول ترشيح باسيل اسمين سنيين من المقربين له، وطبعا بعد اجراء مقابلات شخصية معهما، للمناصب السنية المالية.
وفي تقدير جهات متابعة، إن الذهاب لخيار التعيين وفق قاعدة عدم التجديد لأحد، لا يلغي ظلال الشكوك الكثيفة للخلفيات السياسية والكيدية لأي تعيينات تمر حاليًا، وذلك لاعتبارات عدة، أهمها:
إن البلد، كما العالم، يواجه أزمة كبرى أمام فيروس «كورونا»، ومنطق الأمور يفترض تأخير كل الملفات والاستحقاقات والاعتبارات التي يمكن تأجيلها، ولا تتعلق بالمواجهة الحاصلة مع الفيروس الخطير، ومسألة التعيينات ليست من الأمور الضاغطة، ثم إن القيادات المالية العليا ليست مسألة تفصيلية بل قرار كبير له وجه مالي تقني، وآخر متعلق بعلاقة لبنان مع المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية، لا مناص من الاعتراف بأن ثمة كيدية سياسية تأبى إلا ان تعبّر عن نفسها، وتتصل بالإمعان باستهداف المواقع السنية في البلد، أو القفز فوق إرادة ورغبة المكونات الأساسية فيها، ليس في التعيينات فحسب، بل أكثر من ذلك… وهو امر لا يمكن السكوت عنه. فما معنى أن تفرض الأطراف السياسية رأيها في التعيينات مع التلويح بالاستقالة وفرط الحكومة بحال لم يؤخذ بمطالبها، ثم يتم التعامل مع المكون السني بمنطق التشفي والانتقام!! المسالة ليست تفصيلا، ولا تتعلق بعدم وجود خيارات ومرشحين وخبراء وأصحاب كفاءة وجدارة وسط النخب السنية.. أبدا، بل بمبدأ استسهال التعامل بكيدية تصل الى حد الترشيح والتسمية والمناورة واللعب في الساحة السنية. هنا، بحسب الجهات المتابعة، تكمن المشكلة، وليس بأصل عملية التداول في الإدارات جميعًا.
ثالثًا، إن الأزمة المالية النقدية التي تضرب لبنان، بوجوهها المعقدة والمتداخلة، تستدعي مقاربة حكيمة وهادئة للوصول الى نتائج تعالج الأزمة القائمة ولا تزيدها. الأولوية وفق هذا الاعتبار هي لطرح مجمل الأزمة ومسبباتها والمسؤولين عنها، سواء من قبل مصرف لبنان أو المصارف، ومعرفة كل المتسببين بها ومن ثم ايجاد الحلول التي تضمن حقوق المودعين وأموال الناس ومصالح الدولة… هنا يأتي القرار الأخير للحكومة بتكليف وزير المالية غازي وزني بإجراء كشف مع مصرف لبنان لكشف الأسباب التي أوصلت الى الأزمة المالية النقدية، بعد اجراء عملية تدقيق محاسبية، وهذا الامر في حال حصوله سيساهم بحلحلة الأزمة وإراحة شريحة المودعين القلقين على مدخراتهم، والذين يعانون منذ أشهر من ممارسات الإذلال غير القانونية التي يتعرضون لها على أبواب المصارف.
مؤسف لكنه ضروري القول، إن مقولة حكومة المستقلين والاختصاصيين سقطت أمام تحديات التعيينات و«الكابيتال كونترول» وإعادة لبنانيي الاغتراب، لمصلحة تأكيد المؤكد باستمرار تحكم الطبقة السياسية وذهنية المحاصصة، وفوق ذلك الكيدية في إدارة الشأن العام.. لا انتفاضة الشعب أثرت، ولا حالة الإفلاس مع ما تحمله من مؤشرات الانفجار الاجتماعي أعادت أهل الحكم إلى منطق الرشاد، ولا الوباء الكوني أجبر أحدا من هؤلاء على تقديم تنازلات لمصلحة الوطن وأهله.