IMLebanon

لماذا لا تقبل الميليشيات الإصلاح الوطني؟

 

 

لا يقبل الأمين العام لـ«حزب الله» السكوت مثلما سكت أنصار إيران الكبار في العراق أمثال العامري والمالكي. فهو معلِّم الجميع ومرشدهم، وقد سبق لهم جميعاً وفيما بين العراق والبحرين وفلسطين وسوريا واليمن أن لجأوا إليه ولاءً أو غطاءً أو عياءً. بل في كثيرٍ من الأحيان كان المرشد الأعلى هو الذي يرسلهم إليه للاسترشاد المادي أو المعنوي أو للتمتع بحقوق الضيافة في بلد الأرز.

منذ بدء الثوران في لبنان تحدث الأمين العام للحزب أربع مرات آخِرها مساء يوم الاثنين الفائت في 11- 11 – 2019، ماذا قال أو ماذا أراد أن يقوله ولم يستطع؟ كل مرة كان يُظهر أنّ همَّه الأول الاستقرار وتجنب الفراغ والفوضى. ولذلك كان ضدّ الاستجابة للمتظاهرين الذين طالبوا باستقالة الحكومة. فلما استقال رئيسها تصاعدت شجونه فاتّهم ثم استكان وطالب بالإسراع في تشكيل حكومة جديدة يكون هدفها الاستجابة لمطالب المتظاهرين! أما خطابه الأخير فهو كما يقول المثل: سمك لبن تمر هندي.

وما كان ذكره للشيخ المتوفَّى في جنوب لبنان إلا تصدياً لموضوعٍ علميٍّ، إذ كأنما هو يكتب أطروحة الآن ليصبح «حجة الإسلام». أمّا احتفاؤه بالمولد النبوي فهو اكتشافٌ حديثٌ ولأهداف سياسية بحتة، والغرضُ من ذكره المولدَ النبوي، هوربطه باحتفاء الحوثيين إذ ليس في تقاليد الزيود هذا الاحتفاء الشعائري بآل البيت. وليس لآل البيت مقامات ومزارات باليمن على كثرتهم، باستثناء مقام الإمام الهادي بالجامع الكبير بصعدة. وما كان يُزار، وإنما هو قبر عليه قبة مثل قباب الأولياء الذين يحتفي بهم الصوفية باليمن أيضاً.

الحوثيون طائفة جديدة عند الزيدية وعند الشيعة، مثل الطوائف الأُخرى التي ظهرت بعد قيام دولة ولاية الفقيه، وكان لا بد من استقطاب الشيعة في العالم واستتباعهم بكافة الأساليب لكي تحاول إيران استخدامهم على ما تحب وتهوى. ومنذ الثوران الحوثي بدأ هؤلاء ينشرون خليطاً من التقاليد الشيعية العامة، والشيعية الخاصة بالإمامة الجديدة، وفي البداية بين الزيود، ثم عندما استولوا على مناطق سنية عام 2014 صاروا ينشرون ثقافة الأولياء من آل البيت حتى بين السنة، وفي المساجد السنية.

وعندما كان الحوثيون يفعلون ذلك كان متدينو السنة يتذمرون ويحتجون ويعتبرون ذلك إكراهاً وتشييعاً. هذا العام اهتدى الحوثيون إلى حيلة. قالوا للسنة إنهم يريدون الاحتفال بالمولد النبوي، وأرغم الحوثيون تجارهم وموظفيهم على دفع مبالغ مالية وصلت إلى أربعة مليارات ريال في مدينة إب وحدها!

لماذا هذا الاستطراد الطويل؟ لأن نصر الله والحوثيين أرادوا التأكيد على أنهم هم ورثة الدين وورثة الدولة مهما بلغ عددهم من الضآلة في اليمن ولبنان وبين جمهور المسلمين في العالم؛ وهناك أمرٌ آخر من وراء إصرار نصر الله على ربط المولد بالحوثيين؛ وهو يتعدى حقهم الديني. فإلى الشيعة الذين لا يقولون بولاية الفقيه، وإلى غير الشيعة، يقول نصر الله حرفياً إنّ موقع اليمن مهمٌّ جداً جداً لمحور المقاومة. والرسالة هنا مزدوجة: يحذّر نصر الله الإيرانيين من التخلّي عن الحوثيين بسبب الضيق الشديد الذي نزل بهم، ويقول للعرب: نحن مصرون على قتالكم في كل مكان، وفي اليمن على وجه الخصوص!

ولنذهب من هنا إلى ما ذكره نصر الله عن لبنان. لقد عرض حلولاً وهمية لإخراج لبنان من حضن أميركا والغرب، ووضعه في أحضان الصين المفتوحة. وهو رجل منصفٌ هنا كما قال أحد المعلَّقين. فالحل الصيني هو الذي تتشبث به إيران، باعتبار القدرات الهائلة للصين، ولخصومة الصين مع الولايات المتحدة. ثم ختم بخاتمة في «استحالة الإصلاح» نعم، استحالة الإصلاح، لأنّ الفساد قوي وقديم، ولأن مكافحته تحتاج لأجهزة وزمان، ولا تستطيع حكومة مهما كانت قادرة القيام به: أيها المتظاهرون، مهمتكم عسيرة، بل مستحيلة، فاخرجوا من الشوارع، واذهبوا إلى الصين، ودعوا البلاد والعباد لعناية باسيل والحزب… والحريري إذا شاء، رغم عناده حتى الآن!

لا يقصد هذا المقال البحث في فقه الدين ولاهوته، بل في قضية: لماذا لا تريد الميليشيات الشيعية ومن إيران إلى لبنان الإصلاح وتحسين حياة الناس، رغم استيلائها وتمكنها؟ لكنني أُجازف بالقول إنهم لا يريدون أيضاً الإصلاح الديني، والقول بالحكم المدني، الذي مشى فيه الإصلاحيون السنة منذ أيام محمد عبده في مطلع القرن العشرين. لماذا هذه الشراسة في معارضة الإصلاح، وتيئيس الشباب وهم نحو الستين في المائة من الجمهور العربي والإسلامي؟ في العشرين سنة الماضية سيطرت الميليشيات الإيرانية على مجالات واسعة في حيوات عدة دولٍ عربية وإسلامية. وما نجح حراك العام 2011 في زحزحة تلك السيطرة بسبب عوامل متعددة: التدخل الإيراني، وصعود التيارات المتطرفة، ومقاومة أنظمة الحكم القائمة، والنزاعات بين الثائرين وحملهم السلاح.

إنّ الذي يزعج الأمين العام في لبنان والأمناء العامين بالعراق، والحرس الثوري، أنهم سيطروا في البلدين، وخضعت لهم الطبقات السياسية والفئات المهتمة من الطوائف بالمناصب والمكاسب في البلدين. وهي فئاتٌ فاسدة تماماً وهذا الفساد هو جزءٌ من استضعاف الإيرانيين وميليشياتهم لها. فإذا ذهب الفاسدون، ومن ضمنهم الحزبيون الإيرانيون العاملون لصالح أنفسهم وأحزابهم، يكون استثمارهم فيهم قد هلك، ويخسرون نفوذهم أو من نفوذهم. والأمر الثاني أنّ الاتهام للسياسيين في القضاء اللبناني، اضطر القاضي المالي التابع للرئيس نبيه بري، وبعد أن استدعى دزينة من السياسيين السنة – إلى أن يستدعي المدير العام للجمارك وهو من جماعة جبران باسيل، وأن يوجه إليه تهمة هدر المال العام! والجمارك اللبنانية من سنوات في أربعة أقسام: قسم لباسيل، وقسم لبري، وقسم للحزب، وقسم للدولة اللبنانية. ويقدر الخبراء ما يصل إلى الدولة من ضرائب ورسوم من الجمارك بحدود الرُبع إلى الثلث، وهي سبعمائة مليون دولار من أكثر من ملياري دولار! وهذا يعني مرة أُخرى أنّ نصر الله لا يريد فقط حماية حليفه الرئيس بري، بل وحماية نفسه أيضاً هو، والسيطرة على المرفأ والمطار وحدود لبنان مع سوريا.