Site icon IMLebanon

«حزب الله» يقطِّع الوقــت حتى الخريف!

 

 

قبل شهرين أو ثلاثة، لم يكن أحد يتوقع أن يدخل «كورونا» على مشهد الصراعات الدولية ويصبح العامل الأكثر تأثيراً. ولم يكن في ذهن أي خبير أنّ الدولة الأقوى في العالم، الولايات المتحدة، ستُصاب بأكبر الخسائر، وأنّ أعداءها سيحاولون استغلال الفرصة لتحقيق ما كان مستحيلاً.

 

واضحٌ أنّ الهاجس الأول لدى إدارة الرئيس دونالد ترامب، في الأسابيع والأشهر المقبلة، سيكون وقف الموت في المجتمع الأميركي. فليس سهلاً أن تخسر الولايات المتحدة ما بين 100 ألف و240 ألفاً من مواطنيها، وفق التقديرات الرسمية.

 

للكارثة تداعيات سياسية مُهمَّة: إنه موسم «التهابات» وانتخابات في آن معاً. وخصوم ترامب بدأوا يستخدمون الورقة لإضعاف حظوظه في ولاية ثانية، ويحمّلونه المسؤولية عن الفشل في إدارة الأزمة.

 

ولكن الخبراء يَعزون فشل واشنطن والعديد من المجتمعات الغربية في مواجهة الوباء إلى أنها اعتمدت في البداية نظرية «مناعة القطيع». يعني ذلك السماح للفيروس بالتغلغل ليصيب نسبةً معينة من الناس، ولو كلّف ذلك نسبة من الوفيات. فتنشأ لدى المجتمع مناعة ضده، ويصبح خطره موازياً لخطر الإنفلونزا.

 

بالنسبة إلى الحكومات التي تعتبر الاقتصاد والأسواق أولوية، هذا السيناريو يحدّ من الخسائر الهائلة التي يسبّبها إقفال المصانع والمؤسسات والعزل الشامل. ولكن، في التطبيق، بَدا أنّ حجم الخسائر البشرية سيكون مروّعاً (بين مليون ضحية ومليونين). لذلك، ارتدّت الإدارة إلى السيناريو الآخر- المواجهة – ولكن متأخرة، وتداركت الكارثة، ولكن جزئياً لا كلياً.

 

طبعاً، يعتقد محللون غربيون أنّ المجتمعات الأخرى كالصين وإيران، تكبدت خسائر بشرية أكبر بكثير من الأرقام المعلنة، وما زالت، لكن حكوماتها تتعمَّد الإخفاء لئلّا تُظهِر نقاط ضعفها. وفي تقدير هؤلاء أنّ طهران وجدت في الأزمة الوبائية فرصة لا تعوّض لفكّ الحصار المضروب عليها. وهذا الأمر، تدركه إدارة ترامب وستتصدى له على رغم انشغالها بالوباء.

 

يقول هؤلاء إنّ إيران تتحرّك في الأسابيع الأخيرة، على خط بغداد – دمشق – بيروت، لاستعادة جزء من المبادرة التي فقدتها بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني. ولذلك، تعرضت قواعد يشغلها الأميركيون في العراق لضربات متتالية. ومجدداً، ارتفعت الأصوات التي تطالب بانسحابهم.

 

لكن ردّ ترامب جاء حاسماً: ننسحب إذا دفع العراقيون كل الأكلاف التي أنفقناها هناك. ويقدّر الأميركيون هذه الأكلاف بمئات المليارات من الدولارات. ويمكن للولايات المتحدة أن تحصل عليها من الأرصدة العراقية الموجودة في نظامها المصرفي.

 

وهناك مؤشرات إلى أنّ إيران ستمضي في المواجهة على الأرجح في سوريا، ولو بمقدار أدنى، حيث تقوم إسرائيل بتوجيه ضربات إلى الأهداف الإيرانية، وسط سكوت أو تغطية روسية.

 

ويبقى الهامش مُتاحاً أمام «حزب الله» في لبنان، حيث تعتبر طهران أنّ الفرصة متاحة لاستعادة أوراق خسرتها في الأشهر الأخيرة، والعودة إلى «الستاتيكو» الذي كان قائماً قبل انتفاضة 17 تشرين الأول. وإذا كان إسقاط حكومة الرئيس حسّان دياب سيُحدِث صدمة سياسية، فيكفي أن يُسحَب البساط من تحتها وتَستشرس عليها القوى السياسية لتصبح مجرد هيكلٍ من ورق.

 

وهذا ما يحدث اليوم، حيث «حزب الله» وحلفاؤه باشروا نهجاً جديداً يتوزّعون فيه الأدوار، وأدى إلى شلّ الحكومة. ويقول وزراء غير محسوبين على قوى سياسية إنّ لديهم ولدى رئيس الحكومة شعوراً بأنهم دخلوا في النفق الذي تغرق فيه كل الحكومات عادة، وهو نفق التجاذبات والمصالح السياسية.

 

وخلاصة الصورة هي أنّ «حزب الله» اتخذ قراراً بالتشدّد، وعبارة أخرى بـ»تجميد» الوضع اللبناني، أي بمنع الحكومة اللبنانية من تقديم أي تنازل للولايات المتحدة في هذه الفترة، تحت أي ذريعة، سواء في المجال السياسي أو في المجال المالي والمصرفي.

 

وهذا ما سيظهر أكثر فأكثر في «استِغياب» الانتفاضة المحرومة من سلاح الشارع بسبب «كورونا». وقد كان لافتاً أنّ الحكومة تجرأت أمس على تحريك العمل في سدّ بسري، وهو أبرز عناوين الاعتراض لدى الانتفاضة.

 

كما يظهر هذا القرار في رفض التعاطي مع صندوق النقد الدولي، وفي التشدّد في المطالبة بحصة في التعيينات المالية وبدور في تقرير أي إجراء مصرفي، حيث يريد «الحزب» وحلفاؤه أن يكون لهم الوزن الراجح في مواجهة الضغط الأميركي.

 

وثمة اعتقاد بأن «حزب الله» يريد «تقطيع» الفترة الفاصلة عن الانتخابات الأميركية، في الخريف، بأقل الخسائر، أي بمراوحة سياسية ومالية واقتصادية، مع بعض الدعم الإنساني الذي يتلقّاه لبنان بمواجهة «كورونا»، لعلّ ذلك يساعد على الصمود حتى رحيل ترامب عن البيت الأبيض، فتبدأ مرحلة جديدة في الشرق الأوسط ككل.

 

ثمّة محللون يخشون أن تكون تلك المراهنة مكلفة، ويسألون: هل هناك مَن يضمن عدم الردّ الأميركي على لبنان ككل؟ وكيف يمكن أن يكون؟ وما حدوده؟