IMLebanon

حزب الله يخسر معركة «كسر العظم مع الهيركات».. ويمنع انهيار «حكومة اللون الواحد»!

 

الصراع مستمر بين مكامن النفوذ الإيراني – الأميركي على الساحة اللبنانية

 

 

لا يستقيم اعتراض رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على انتقادات المعارضة للحكومة وخطتها الاقتصادية التي تُناقش مسودتها راهناً، ليس لأن المعارضة جزء من النظام الديموقراطي ومن وظيفتها التصويب، بل لأن أكثر الأصوات الفاعلة هي من ضمن التركيبة السياسية التي أتت بحكومة حسان دياب.

 

فالاشتباك السياسي بين مكونات «حكومة اللون الواحد» بات يُعبّر عن نفسه بقوة مع كل استحقاق أو ملف. وهو أمر ما كان متوقعاً حصوله في أشهرها الأولى، ولا سيما أن من الإيجابيات التي أريد أن تطبع عملية التأليف هي وجود فريق متجانس من أصحاب الاختصاص البعيدين عن التجاذبات السياسية التي شكلت أبرز أسباب إخفاق حكومتي سعد الحريري الأولى والثانية في عهد ميشال عون، بوصفها «حكومات وحدة وطنية» تجمع في طياتها الموالاة والمعارضة بتناقضاتهم وتوجهاتهم المختلفة.

 

ثمة اصطفافان حادان داخل الحكومة، يقول أحد منظري منظومة قوى «8 آذار»: واحد يجسّده تيار سليمان فرنجية ومن خلفه الرئيس نبيه بري، وآخر يُجسّده تيار عون وصهره جبران باسيل ومعهما دياب، فيما يأخذ «حزب الله» دور الجالس بين الاصطفافين، العامل على تقريب وجهات النظر وتدوير الزوايا ورأب الصدع بين الحلفاء للحؤول دون وقوع الصدام. ربما يصح هذا التقسيم، حين تكون الأمور تتعلق بتعيينات محاصصة وما شابه، لكن الصورة تبدو مغايرة، ولا يعدو الاصطفاف واضحاً مع طرح قضايا رئيسية على غرار خطة الإصلاح المالي وما تتضمنها من عناوين، ولا سيما حين طُرح موضوع «الكابيتال كونترول» و«الهيركات».

 

أزمة كورونا أخّرت الانفجار ..والتشظي الحاصل يمنع التلاقي على مشروع إنقاذي

 

خرج نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم ليعلن للمرة الأولى أن لدى الحزب رؤية اقتصادية متكاملة جاهزة في شقيها المالي – النقدي والاجتماعي والاقتصادي والقضائي والسياسي – الإداري وغيرها من القطاعات الحيوية (الزراعة والصناعة والسياحة). لم يكشف الكثير عن مضامين الخطة كي لا يُقال إن «حزب الله» يفرض رؤيته، لكنه أعلن بأن صفحة «الكابيتال كونترول» طويت بعد موقف بري الرافض لتشريعه من خلال قانون، إلا أن قاسم قدم مطالعته دفاعاً عن «الهيركات» للمودعين الكبار، التي ستتناول الفوائد المرتفعة التي حصلوا عليها. في اليوم التالي، أطاح بري بمشروع «الهيركات»، وأعلن دفنه كما دفن من قبله «الكابيتال كونترول».

 

يذهب قاسم إلى الإشادة بعدم وجود عقل تبعي للخارج لدى رئيس الحكومة، بل إنه يعمل في مقاربته للخطة الاقتصادية ببعد وطني لبناني. وكان يقصد بكلامه صندوق النقد الدولي الذي حدد قاسم ماهية المقبول والمرفوض حياله. قال إننا لا نرفض الصندوق بالمطلق، لا بل إن رئيس الحكومة يتفاوض معه. لا مشكلة إذا تماهى الصندوق مع خطتنا، ولكننا نرفض أن تكون الإدارة له. كلام يدرك قاسم أنه غير قابل للصرف في أي مكان. فإما برنامج كامل متكامل يتم الاتفاق مع الصندوق حوله بإشرافه ومراقبته، وإما لا شيء.

 

يعلم الجميع، ولا سيما «حزب الله»، علم اليقين أن ليس هناك من إنقاذٍ سيأتي من «الصندوق» أو من «سيدر» أو من الخارج قبل أن يتمّ التسليم بالإصلاحات المطلوبة في الكهرباء والاتصالات وتشكيل هيئاتها الناظمة، وضبط الجمارك لمنع عمليات التهريب من المعابر البحرية والبرية والجوية، وإعادة هيكلة القطاع العام وترشيقه وترشيده. وهنا بيت القصيد. فهذه الإصلاحات تضرب فساد الطبقة الحاكمة على اختلاف مشاربها التي تتقاسم البلد، وتصيب من ضمنها الحزب ذاته بموارده، بحيث ينظر إلى أن تطبيقها يضعف نفوذ محوره لصالح المحور الآخر – الأميركي. ولأن كل مجرى الكون يدور حول صراع المحورين، تُرفع عناوين حاكمية مصرف لبنان ورياض سلامة وقطاع المصارف وهيكلته – وهي عناوين مدرجة في خانة النفوذ الأميركي تحديداً، وتخاض المعركة حول «الهيركات» التي تقضي على ما تبقى من النظام المصرفي الحر، حيث الوجهة هي الغرب.

 

لامَسَ دياب ومَن معه من الخبراء ومَن يُدير «المحرّك من الخلف» الخطوط الحمر. فإذا بالاشتباك السياسي يتوسّع، فيدخل الحريري ووليد جنبلاط على الخط. يدفن بري «الهيركات»، فثمة مصالح لمتموّلين شيعة كبار هي أيضاً في الاستهداف – هؤلاء محسوبون على بري. ترفع الكنيسة الصوت حماية لرجال الأعمال المسيحيين. خسر «الحزب» معركة كسر العظم في «الهيركات»، لكن المعركة لا تزال مستمرة، والصراع مستمر بين مكامن النفوذ الإيراني – الأميركي على الساحة اللبنانية، بمعزل عن حجم الخسائر والانهيار الذي يطال لبنان واللبنانيين. سيكون اللجوء إلى صندوق النقد هو العنوان الضاغط للصراع الآتي بعد حين، وعندما تسقط خطوط الدفاع لمحور إيران.

 

الخلاصة الحتمية عند الموالاة والمعارضة هي أن الأفق مسدود. على أن المشكلة تكمن في المرحلة الفاصلة إلى حين التسليم بالإصلاحات وبالانخراط في برنامج الصندوق. فأزمة «كورونا» أخّرت الانفجار، لكن الانفجار المؤجل سيطل برأسه بعدها، وربما لا ينتظر نهايتها، بفعل تأثير الإغلاق على الوضع الاقتصادي – الاجتماعي، وعدم قدرة الحكومة على مواكبة تداعياته الاجتماعية، بغض النظر عن تعثر مسألة توزيع مساعدة الـ400 ألف ليرة، التي تبقى خطوة مبتورة لا ترقى إلى مستوى المعالجات الكبرى التي اتخذتها دول عدة في إطار تعاملها مع الجائحة.

 

المُقلق أكثر أن أحداً من القوى السياسية ليس بقادر على رسم سيناريو الانفجار الاجتماعي وحدوده ونتائجه. وما يزيد من تعقيد المشهد أن حال التشظي الذي يصيب هذه القوى وانقسامها السياسي الذي تفاقم بعد حكومة اللون الواحد يجعلها عاجزة عن المبادرة إلى التلاقي على مشروع إنقاذي حقيقي.