IMLebanon

«حزب الله».. الخارج

لا يملك «حزب الله» إلاّ أن يطنّش على خبرية «بدء مرحلة العمل لإخراجه» من سوريا، بعد التطورات الميدانية والسياسية الإقليمية والدولية المسجلة في الآونة الأخيرة.. مثلما لا تملك إيران، على لسان علي أكبر ولايتي الموصوف بأنه أحد مستشاري «المرشد الأعلى»، إلا أن تقول مباشرة، إن ذلك الانسحاب غير وارد.. ثم أن تُمرّر بعض المواقف عبر الإعلام المحلي (اللبناني) التي تقول إن «الانتصار» هو شرط ذلك الانسحاب.. لا أكثر، ولا أقل!

وتلك في جملتها مقوّمات بلاء تام: لم تدفع إيران وتابعها اللبناني، كل تلك الأثمان المهولة بشرياً ومادياً في سوريا، كي يأتي «الحليف» الروسي في اللحظة المناسبة ليحصد جنى غيره! ويقول إن «شروط» أي حل (أي حل!) تستدعي كرع الحنظل! والتغرغر بالماء المالح.. ثم علك الهواء واجترار الحسرات! وذلك يعني أن «حزب الله» في سوريا هو ذاته «حزب الله» في لائحة الأميركيين وغيرهم عن «المنظّمات والجماعات الإرهابية»! ولا يغيّر الادعاء الذاتي، ولا الاندحاش العملي في منظومة محاربي الإرهاب الداعشي تلك الأحكام! بل يكفي في هذه القياسات «المؤلمة»(!) أن قوات الحزب لا تُستهدف بالنيران المتعددة الأشكال والهويات مثلما يحصل مع قوات «داعش» أو «النصرة»! ولا تعني في المقابل، عمليات القصف الإسرائيلي المتقطعة لبعض المواقع، أو لبعض القوافل المتجهة إلى لبنان (من الداخل السوري) نسفاً لهذه المعادلة!

ولا يملك ذلك الحزب ولا مرشدته إيران، أن يبلعا حقيقة وصول المناورة إلى ذروتها: لا «الانتصار» التام ممكن أو مسموح، روسياً وأميركياً وتركياً. ولا البقاء في دوّامة الاستنزاف المكلف (والباهظ الكلفة) هو خيار مقبول أو محمود النتائج. ومعركة حلب في هذا السياق المسنن والمفخخ، كانت مفصلية بالفعل وإحدى أبلغ الدلالات الحديثة على مدى انكسار المعادلات الرياضية التي، بالمناسبة، سبق وانكسرت في سياقات الحروب اللبنانية المريرة: لا يعني الانتصار في معركة عسكرية، انتصاراً في الحرب! أو في السياسة!

وإذا كان «حزب الله» يفترض أنه «انتصر» في حلب، فإن الأداء الروسي المتعدّد الوجوه، والذاهب حُكماً، إلى اختيار معادلة التسوية وليس التصفية، فيه ما يكفي من الدعوات المباشرة، العلنية والمستترة إليه، من أجل إعادة النظر في ذلك الافتراض!

«حزب الله» في سوريا، كما في غيرها إقليمياً، هو لاعب صغير في مسرح أكبر منه. ومشكلته الواقعية هي أنه غير واقعي، وادعاءاته أكبر من قدراته. وكان يمكنه لو استطاع مع توابع إيران الأخرى، العراقية والأفغانية والباكستانية والأسدية، أن يحسم الحرب ميدانياً من دون الروس، أن يفرض شروطه «الانتصارية» وأن يتآلف مع أنشودته البلهاء عن قدرته على إعادة رسم الخرائط في المنطقة برمتها! لكن طالما أن ذلك لم يحصل، ولن يحصل برغم الأكلاف والفظاعات والارتكابات، فما عليه إلاّ العودة إلى الأرض! وتخفيض سقوف توقعاته وهيجانه، ومقاربة الأمر «بعد حلب!» بمنظور يختلف عمّا «قبل حلب»!

ومشكلته الأعوص هي ذاتها مشكلة إيران: افتراض العابر دائم والمستحيل ممكن. مرحلة مستر أوباما انتهت! وهناك في البيت الأبيض من يلوّح ويصرّح بأنه آت بأداء مختلف جذرياً. وذلك سَكبٌ ينزل على ساكن الكرملين، في الضفة المقابلة، برداً وسلاماً! ويتلاءم أساساً مع منظومة مصالح استراتيجية كبرى تجد في العلاقة مع تركيا ما هو أثمن وأغلى من العلاقة مع إيران! وفي «التفاهم» مع الأميركيين ما هو أهم بنحو مليون مرة ومرة، من «التفاهم» معها، أكان ذلك في شأن سوريا، أم في شأن المنطقة العربية والإسلامية في الإجمال.

هناك مرحلة انتهت وأخرى بدأت. وليس ضرباً في الرمل ولا قراءة في الفنجان افتراض تداعيات آتية لا تسرّ خاطر إيران وملحقاتها، خصوصاً في سوريا.. ومن ضمن ذلك بدء التداول في قصة خروج «حزب الله» منها، وبطريقة تختلف جذرياً عن تلك التي اعتاد عليها، لبنانياً!