استطاعت أحزاب السلطة المتحالفة مع مواقع القرار المالي ـــ الاقتصادي، بكل مكوّناتها، تحقيق «انتصار تاريخي» في انتخابات رابطة أساتذة التعليم الثانوي، من خلال إبعاد أحد الأصوات الناشزة عن نظام الطوائف، عن رئاسة الرابطة.
وغداة «الاحتفال» المشترك بـ»الانتصار العظيم»، أتت عملية شبعا البطولية، فكان الرد قاسياً من بعض مكونات هذا التحالف على العملية نفسها. فالانتصار على العدو خطيئة ومغامرة، والمطلوب من المقاومة أن تكون شريكة في انتصارات الداخل، على النقابيين وعلى حقوق العمال والموظفين لا أن تحقق انتصارات على العدو الاسرائيلي. المطلوب منها أن تكون قوة ردع بوجه الشعب وقضاياه، لا أن تحقق التوازن مع العدوان.
إن تقارب الحدثين زرع فينا «وهماً» بأن القوى المقاومة، ستعيد النظر في علاقاتها مع الشأن الداخلي اللبناني ومع النظام وقواه بما يدعم المقاومة ويؤسس لمنطق آخر فيها. لا أن تستمر في سياسة داخلية تحاصر موقعها ووظيفتها المقاومة، لكن لم يدم الوهم طويلاً، حتى توحدت مجدداً كل القوى، في حلف تاريخي جديد يستكمل «حلف الثانوي» في إطار «رابطة المهني».
قد يظن البعض في هذا الأمر خليطاً غير متجانس. ولكن هل يمكن الاعتقاد ببرنامج للمقاومة، له وجهان، وجه باتجاه العدو ووجه باتجاه الداخل؟
إن صمود أية مقاومة، وانتصارها، يبقى موضعياً ومؤقتاً ونسبياً ما لم يقترن ببرنامج شامل يشمل وجهتها العسكرية في مواجهة العدو ويدرس أرضها ومجالها الحيوي وايضاً يبدع في تكوين تحالفها السياسي والشعبي القادر على حماية إنجازات المقاومة والدفاع عنها.
لقد أدت سياسة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» التي اتبعتها الانظمة العربية وعزل هذه السياسة عن بعديها السياسي والاجتماعي الى تحول هذه الأنظمة الى ديكتاتوريات معزولة عن شعوبها، والى قيادة للهزائم التي امتدت من عام 1967 حتى الآن وأودت ببعضها الى حضن الولايات المتحدة الأميركية والصلح مع العدو.
إن بنية المقاومة السابقة، سواء «جمول» أو المقاومة الفلسطينية، أكثر تماسكاً وأكثر تعبيراً عن شعبها. أما بنية المقاومة اليوم، فهي تشكل إحدى أهم نقاط ضعفها..
إن المقاومة اليوم، و «حزب الله» تحديداً، هو الأحوج الى التحصن بسياسة داخلية تسد ثغرات البنية.
هو الأحوج، الى نظرة جديدة للعمل النقابي وأهدافه، ولمصالح الفقراء الذين حموه ويحمون مقاومته.
هو الأحوج الى نظرة جديدة للصراع السياسي الداخلي، لا تدفعه دائماً الى الدخول بتحالفات رباعية وخماسية، مع من يقفون ضد الجانب المضيء في مسيرته أي ضد المقاومة، وهم على أتم الاستعداد للتعاون مع «حزب الله» المذهبي الطائفي، المنخرط في لعبة التحاصص والزبائنية والفساد ولكنهم، أشداء في عدائهم لمقاومته للعدو.
هو الأحوج للنظر في «صغائر» الأمور، من قانون الانتخابات، الى حقوق الموظفين والمعلمين والمتقاعدين والمتعاقدين، الى قضية البناء الوطني، بما يخدم قضية التحرير والمقاومة…
نعم، من موقع الانتصار للمقاومة، التي نشكل نحن جزءاً فاعلاً من تاريخها، ونشكل حاضراً داعماً لها بما نستطيع برغم ضعف الإمكانيات، إن هذا الموقع يؤهلنا لتوجيه التحذير، بأن استكمال هذه السياسة التي تعاني من مرض «الانفصام» وبالتالي استمرار عزل قضية التحرير عن التغيير الديموقراطي، قد يودي بالمقاومة الحالية الى مصير جرّبته الأنظمة وجرّبه الشعب الفلسطيني ويدفع ثمنه.
نعم، نحن نقدّر أن ما أعلنه السيد حسن نصرالله، من مواقف، خصوصاً تجاه القرار 1701، هو إعلان متأخر، لأن هذا القرار الدولي بالذات عبّر عن هزيمة سياسية لبنانية، تلت الصمود الكبير الذي حققته المقاومة والجيش، باحتضان شعبي واسع عام 2006، وكنا قد عبرنا عن موقفنا تجاهه حينها، في الوقت الذي مرره الجميع بما فيه «حزب الله».
أما قضية توسيع جبهات المقاومة، فهي من القضايا التي رفعناها وما زلنا نؤمن بضرورتها. ولكن أين هو برنامج هذه المقاومة وهل ستبقى بنيتها شبيهة ببنية المقاومة اللبنانية، وهل يمكن لمثل هذه البنية أن تؤسس لمقاومة شاملة؟
في الختام، يقدم الينا الارهاب التكفيري الأصولي كل يوم نماذج جديدة من أساليب توحشه، وآخرها إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وهنا السؤال ليس عن مستوى البشاعة في إعدامه وحرقه، بل عن الدور السياسي الذي لعبته حكومته، سواء بالتحاقها بالمشروع الأميركي ـــ الإسرائيلي، وهي التي أعادت السفير الأردني الى دولة العدو مؤخراً، أو في دعمها للعناصر الإرهابية، وخاصة لمشروع «لحد الجديد» على الحدود السورية مع فلسطين المحتلة؟
(]) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني