جميع المؤشرات والمعطيات التي برزت خلال الفترة الاخيرة وصولاً إلى تفجير مصرف «لبنان والمهجر»، تؤكد دخول «حزب الله» بأزمات مستعصية لا إمكانية للخروج منها إلا في حالة واحدة فقط، العودة إلى لبنان بعدما شتّت نفسه على الساحات الدولية والعربية وجعل من قضية «المقاومة» عنواناً للإرهاب وتجارة المخدرات وتبييض الأموال بالإضافة إلى تحويله لبنان ساحة للإنقسام المذهبي والطائفي وبيئته التي حمته وتحمّلت نتائج أفعاله منذ مطلع الثمانينات، إلى رهينة وأسيرة ضمن مناطق نفوذه وسيطرته.
يُحمّل «حزب الله» لبنان واللبنانيين نتائج إرتكاباته تحت مُسمّى الدفاع عن خط «الممانعة» و»المقاومة»، ويفتخر قادته بأنهم أفراد في حزب «ولاية الفقيه». يحمل عناوين وشعارات بهدف التجييش والحشد لحروبه التي تفرضها عليه إيران التي تُحلّل لنفسها ما تُحرّمه على غيرها وتقوم بتحريض وتقليب الشيعة في لبنان وعدد من الدول العربية، على أبناء بلدهم وجيرانهم تحت حجّة إستعداء «الإستكبار العالمي»، في وقت تسعى هي وقادتها إلى مصالحة هذا «الإستكبار» وعقد الصفقات معه وصولا إلى إزالتها شعارات وعبارات كانت رفعتها منذ قيام «ثورة» الخميني لإشعال الغرائز وتأجيج النفوس منها: «الشيطان الأكبر» و»الموت لإسرائيل».
سار «حزب الله» على قاعدة مُعاندة المجتمع الدولي وعدم الإكتراث لكل قراراته حتّى وصل إلى الحالة المزرية التي هو عليها اليوم. أقنع جمهوره وبيئته بأن «الأم الحنون» إيران لن تتركهم وحدهم ولن تُفاوض عليهم مهما كثرت الجراح وعظمت المصائب. لكن اليوم تبيّن أن الحزب الذي علق بصنّارة الإيراني ووعوده بعدما «أكل الطعم«، باع بدوره الأوهام لطائفته بـ»الكيلو»، فما عاد الحزب قادراً على أن يطال لا سماء ولا أرضاً إن لجهة إستنزاف نفسه في سوريا وغيرها، أو لجهة العقوبات المصرفية التي باتت تشتد حول عنقه وتُخرجه عن «الأدبيات» التي يرفعها في حروبه العسكرية والسياسية، في وقت تستعطي فيه إيران «الشيطان الأكبر» والمجتمع الدولي، لفك حبل من حول رقبتها لطالما ادّعت بأنه «معصوم» بيدها.
في الثاني والعشرين من الشهر الماضي طالبت طهران على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف واشنطن بتقديم «أفعال ملموسة» لتشجيع المصارف والمؤسسات على العودة إلى إيران. وذلك بعد ان شجّعت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا على هذا الأمر. وبالأمس عاد ظريف ليستعطي الأميركي مُجدّداً طالباً منه ان يفعل المزيد لطمأنة البنوك التي تخشى عقابها. ويُذكر ان أميركا كانت خفّفت العقوبات المالية عن ايران في كانون الثاني الماضي بعد التوصّل للإتفاق النووي. وهنا الا يجب على «حزب الله» أن يسأل نفسه عن السياسة التي يسير عليها في علاقته مع دولة جعلت منه مُجرماً دوليّاً ومطلوباً للعدالة الدولية؟. أمّا في حال كانت سياسة إيران الدولة لا تعني الحزب لا من قريب ولا من بعيد، أفليس من الأجدى له أن يقرأ ما قاله «الولي الفقيه» بأنه «على الورق سمحت الولايات المتحدة للبنوك الاجنبية بالتعامل مع إيران لكنها عملياً تنشر الخوف من إيران حتى لا يُقيم أحد اعمالا معنا». فلماذا هذا التعاطي من قبل إيران الدولة «المُمانعة» الأولى، مع حزب رهن شعبه وبلده وطائفته لمصالحها ومشاريعها؟. فاما أن يكون الكأس على كل قوى «المُمانعة» وإمّا أن يُرفض بالكامل خصوصاً وان المُتضرر الوحيد من هذه السياسة الاستعلائية التي تمارسها إيران، هو الشعب اللبناني بكل فئاته سواء من خلال العقوبات الدولية التي يُمكن أن تُفرض عليه مُستقبلاً، أو من خلال التهديدات الإيرانية بـ 7 أيار جديد، أيضاً على يد «حزب الله».
يصح القول أن لبنان كلّه دخل في أزمة من جرّاء ممارسات «حزب الله»، لكن الأصح أن الحزب الذي يتلطّى خلف طائفته في كل النشاطات، تحوّل إلى ورقة تفاوض بيد الإيراني الذي يؤكد في كل يوم أن مصير الحزب بيده فقط لا بالصواريخ ولا بالمقاتلين الذين يتبجّح بهم. فمن يُحدد خيارات الحزب وحروبه ونوعيّة الأعمال التي يجب تنفيذها في الداخل والخارج، هي إيران فقط. وإيران التي وصلت إلى إتفاقها النووي وحجزت لنفسها مكاناً في المنطقة عن طريق استخدامها للحزب أسوأ استخدام وأوصلته إلى حالة إفلاس سياسي ومعنوي وعسكري ومادي، ها هو وزير خارجيتها يؤكد بالأمس أن «الهدف من الاتفاق النووي، إدراج إيران ضمن النظام الاقتصادي العالمي».
أمام هذا المشهد المُستجد، يحدث أن هناك حالة تململ واضحة وظاهرة داخل بيئة «حزب الله» في العديد من المناطق الخاضعة لسيطرته ولسان حاله يقول: ننتظر أن يخرج أحد قادة «حزب الله» ليقول للإيراني: إمّا أن نكون جميعاً «مقاومة» و»ممانعة»، وإمّا ان نتحمل جميعنا تبعات خياراتنا.