على الرغم من الهدوء الذي يُشيعه «حزب الله» خلال هذه الفترة داخل بيئته في ما يتعلّق بعناصره الذين يسقطون في سوريا، إلا أن المُستشفيات التابعة له في لبنان والممتدة من البقاع الى بيروت فالجنوب، بالإضافة إلى مستشفياته الميدانية في العمق السوري وعند الحدود، تشهد جميعها حالياً، حركة غير طبيعية كان اعتاد عليها جمهور الحزب خلال معارك حلب الأخيرة، وقبلها في «الغوطة» و«القلمون» و«الزبداني» و«مضايا». ومؤخراً شيّع الحزب في أقل من أسبوع واحد، أربعة عناصر بينهم قيادي ميداني.
من الطبيعي القول في هذه الفترة، إن سقوط عناصر من «حزب الله» في سوريا، قد تراجع بشكل ملحوظ بعد انتهاء الحرب في حلب، بانتظار فتحها على جبهات أخرى على غرار ما يجري اليوم في منطقة وادي بردى التي عاد وتوجه اليها الحزب والنظام السوري، بعد الاتفاق الروسي ــــــ التركي الذي ثبّت عملية وقف إطلاق النار بشكل شبه كامل في عدد من المناطق. وقد أعادت هذه الجبهة الجديدة، الوجع إلى بيئة الحزب التي ظنّت، بأن حلب ستكون خاتمة حروب أبنائها على الأراضي السورية، وأن الوقت قد حان لاسترجاعهم سواء أكانوا جرحى أو «شهداء»، أو حتّى في عداد المفقودين. لكن يبدو أن قيادة الحزب، مُصرّة على تثبيت مشاهد التشييع ولو تحت جنح الظلام أو من دون الدعوات الخاصة والعامة.
المؤكد أن «حزب الله» ومعه النظامان الإيراني والسوري، لا تُناسبهم لا عمليات وقف إطلاق النار، ولا الدخول في مفاوضات على غرار ما سيحصل في «أستانا» في الرابع والعشرين من الجاري، إذ إن كل ما من شأنه أن يوقف الحرب السورية، هو تماماً عكس ما يسعى اليه هذا الحلف الذي لا يُثبّت وجوده في سوريا، إلا على الدماء واستمرار القتل. لكن داخل بيئة الحزب، ثمة رأي يقول إن تأثيرات الحرب التي خاضها «حزب الله» منذ العام 2011 وحتى اليوم، ستبقى ارتداداتها تتفاعل حتى العام 2020 نظراً إلى حجم الجرحى في صفوف عناصره الذي يزيد عن ألف، معظمهم إصاباتهم توصف بالحالة الحرجة، وهذا ما تأكد من خلال عمليات التشييع التي جرت في الفترة الأخيرة والتي كانت بسبب جراح سابقة كانوا أصيبوا بها، بعضها يعود الى معركة «الزبداني»، بالإضافة إلى الحالات النفسية الصعبة التي يعيشها البعض الآخر من العناصر الجرحى، نتيجة الظروف الصعبة التي مرّوا بها على جبهات الموت.
طيلة الأعوام الستة الماضية، لم ينفك «حزب الله» عن الترويج لـ«النصر» ولا عن التضحيات التي قدمها في سبيل الوصول اليه. أكثر من مرّة اضطرت قيادة الحزب، وعلى رأسها أمينه العام السيد حسن نصرالله، إلى عقد مؤتمرات صحافية أو إطلالات تلفزيونية، للحديث عن معركة حلب وقبلها «القلمون» من أجل رفع الغضب الشعبي عنهم في وقت كانت فيه عناصرهم عرضة للقتل والتهلكة في كل لحظة وساعة، حتّى أنه في بعض الأحيان، كان عدد الإصابات يتخطى المعقول والمقبول، كسقوط مجموعة بحالها، وهذا ما دعا نصرالله ذات يوم إلى القول إن «طريق القدس تمر بالقلمون»، ليعود ويقول في وقت لاحق «إذا اضطر الأمر، أنا وكل حزب الله سنذهب إلى حلب».
اليوم يوجد جدل حول هذا «الانتصار» خصوصاً بعد الكلام الأخير لوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء الماضي والذي قال فيه إن «دمشق كانت ستسقط خلال أسبوعين أو ثلاثة في يد الإرهابيين عندما تدخلت روسيا في سوريا». هذا الكلام الذي لم يبلغ أسماع قيادة «حزب الله»، تفاعل بشكل كبير داخل بيئة الأخير لدرجة أن البعض راح يسأل عن الصمت الذي التزمه الحزب حيال هذا التصريح، في وقت راح البعض من داخل الحزب يروّج بأن هذا الكلام منسوب إلى لافروف ولم يصدر عنه، لكن أحد وجهاء الحزب الإعلاميين رد عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي بالقول «لولا الجيش السوري وحزب الله وصمود سورية لاحتلت أوكرانيا موسكو بأيام». هذا الكلام كان متنفساً لبعض الناشطين المؤيدين للحزب الذي ما زال ملتزماً الصمت.
«الاستنفار» أو الاحتقان غير الظاهر بين الروس والحلف الإيراني، كان طفا على وجه الأحداث الأسبوع الماضي، بعدما منع «حزب الله»، بحسب ناشطين في منطقة وادي بردي، أربعة ضباط روس وقائد الفرقة 13 وعدداً من وجهاء «الوادي»، من الدخول عن طريق حاجز المصلبية في دير قانون، وطلبت منهم الرجوع إلى العاصمة.
بعيداً من الدخول في التحليلات التي ما زالت تتحدث حتّى الساعة عن إمكانية انسحاب «حزب الله» من سوريا بعيد الاتفاق الروسي ــــــ التركي وخسارة إيران لدورها المحوري في الحرب السورية ومدى انعكاس هذا الأمر على وجود الحزب هناك، من المؤكد أن «حزب الله»، يشعر اليوم بعمق وخطورة المستنقع الذي أغرق نفسه فيه منذ دخوله كطرف أساسي في الصراع السوري في العام 2011. واليوم يتنامى هذا الشعور في ظل حلف «الممانعة» من نظام وحرس ثوري وميليشيات عراقية وأفغانية، عن تثبيت أي انتصار لصالحهم، أو أقله أن يُبرّر الأسباب التي دفعته إلى هذا التدخل والتي على أساسها ما زال حتّى اليوم يُحاول إقناع جمهوره بأهمية هذه الحرب ودفعه المزيد من الشبان اليها تحت مُسمى «الواجب الجهادي»، ومن ضمن هذه الأسباب، كان افتتاحه لجبهة «وادي بردى» بعد إخراجه خالي الوفاض من حلب.