في كل يوم هناك أسماء جديدة وضحايا جدد يُضافون إلى لائحة الموت التي يصنعها «حزب الله» خلف الحدود، أسماء ما عادت تنفع عناوين سكنها أو بلدتها أو أي دليل آخر يؤكد إنتماءها إلى هذا الوطن، طالما أنها تسلك خط سيرها المعروف والأخير باتجاه حفرة في باطن الأرض ستحتضن أصحابها في رحلتهم الأخيرة بعد أربع سنوات من التشرد أمضوها بعيدين عن حضن عائلاتهم ودفء نظرات صغارهم.
ما زال تشييع عناصر «حزب الله» الذين يسقطون بشكل متواصل في سوريا، يحتل الجزء الأكبر من مساحات الألم والوجع في بيئة لم تعد تحتمل خسارة الأبناء والازواج والأشقاء، فخلال اليومين الماضيين أضيفت أعداد جديدة من مقاتلي الحزب إلى مشروع السقوط في المستنقع السوري، بعضهم تم اعلان اسمائهم، فيما لم يتم اعلان أسماء البقية ريثما تقوم قيادة الحزب بإبلاغ أهاليهم ليتم بعدها اعلان الحصيلة النهائية للخسارة الجديدة.
يعجز « حزب الله« اليوم، عن إيجاد أرضية صلبة يقف عليها علّه يتمكّن من خلالها من مداواة جراح ما زالت تلاحقه و تثخنه وتضعه في قفص الاتهام وتجعل من عناصره يتقبلون الهزائم ويتأقلمون معها لدرجة لم تعد هناك مشكلة لديهم تمنعهم من الاعتراف بسقوط رفاقهم ونعيهم عبر صفحاتهم على مواقع التواصل، حتى انهم في كثير من الأحيان يسبقون قيادتهم في عملية النعي خصوصاً بعدما حاز الموت بنظرهم على رخيص من أعلى الهرم يقول « نحن على استعداد للتضحية بثلثي أبناء الطائفة الشيعية مُقابل أن يعيش الثُلث المُتبقّي بكرامة«.
يزداد تورط «حزب الله« في كل بقعة وليس في سوريا فحسب، ومعه تزداد الأمور تعقيداً على كل المستويات، فالسيدة التي رفعت منذ ايام عبر بعض المواقع الاعلامية صوتها من داخل احد المستشفيات حيث يرقد زوجها، لتتحدث عن المظلومية التي تلاحق الطائفة الشيعية من جراء تدخل الحزب في الحرب السورية، والتي سألت «شو دخلنا بسوريا، وشو اجانا منها؟«، كان لصوتها ارتدادات ترجمت في البقاع من قبل ذوي عناصر كانوا سقطوا في الحرب السورية أيضاً وذلك اثر اشاعة معلومات عن نيّة الحزب إنشاء تمثال كبير الحجم في منطقة بعلبك، الأمر الذي دعاهم الى التساؤل عن المنفعة من تمثال كهذا بينما هناك عائلات تموت جوعاً وألماً وقهراً على مصير من تبقّى من أبنائها في ظل الإستدعاءات المتكررة والمتلاحقة للشُبّان للإلتحاق بجبهات الموت.
أصبحت الكلفة البشرية والمعنوية لإنخراط «حزب الله« في الحرب السورية مرتفعة جًدا ولم يعد باستطاعته ولا باستطاعة الاهالي تجاوز هذه الكلفة في المدى المنظور بعدما باتت تشكل عبئا كبيرا لسببين: عدم قدرة الحزب على تحقيق أي انتصار عسكري وازدياد خسائره بشكل متصاعد، وغياب أي أفق أو رؤية واضحة للنتيجة التي سيخرج بها من سوريا أو التي يُمكن ان تُخرجه من هذا المستنقع الذي أصبح يستنزفه ويستنزف بيئته وجمهوره معه.
الواضح ان «حزب الله« يعيش أزمة تفوق التصورات والإستراتيجيات التي كان وضعها لحربه هذه. العمليات الحسابية تؤكد أنه ومنذ دخول الحزب العلني في هذه الحرب، يتبين أن مجمل خسائره البشرية قد تخطت الألف عنصر وهو عدد يفوق حجم الخسائر التي سبق وتكبدها في جنوب لبنان في مواجهة اسرائيل وربما تزيد عليها. لكن ما يتصدر واجهة مآزقه اليوم، سقوط الشُبّان الصغار السنّ الذين تراوح اعمارهم بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة، الأمر الذي يفسره البعض بأنه ظاهرة غريبة لم يكن ليلجأ الحزب اليها لو لم يكن هناك حالات شغور كبيرة في صفوف عناصره نتيجة مقتلهم أو اصابتهم بجروح.
توصيفات ملائكية وعبارات تصل إلى حد «تقديس» القادة والعناصر، يُنتجها ويُفبركها «حزب الله» في مطابخه السياسية والإعلامية الهدف من ورائها منح مقاتليه جرعة من الشرعية للموت في سبيل المشروع المتنقل من لبنان إلى سوريا فالعراق وصولا الى اليمن. وتعبير السيدة بالأمس عن وجعها من داخل المستشفى حيث يرقد زوجها الجريح في «حزب الله»، هو نفسه صوت السيدة التي توجهت ذات يوم بالسؤال إلى احدى الشخصيّات القيادية في الحزب عقب مقتل ولدها، لتسأله: «هل ابني شهيد أم لا يا شيخ؟«.