لم تعد أزمة الاستحقاق الرئاسي تدار بطريقة مستورة، بعدما قرّر حزب الله أن يلعبها على المكشوف من خلال نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي أعلن إن لم يكن النائب ميشال عون هو الرئيس المنتخب، أي إما عون رئيساً للجمهورية أو لا إنتخابات مهما طال الفراغ.
هذا الكلام المكشوف ليس موجهاً إلى تحالف الثامن من آذار لأن الحزب يتكلم عادة باسمه وهو يبصم علی بياض بل موجه الى المسيحيين بشكل خاص وإلى البطريركية المارونية وإلى القيادات المسيحية الأخرى كرئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي أعلن استعداده لسحب ترشيحه لمصلحة مرشّح يتوافق علیه كل القيادات والمكونات السياسية، وإلى النواب المسيحيين المستقلين الذي دعوا أيضاً إلى رئيس توافقي ورفضوا بشكل قاطع أن يفرض عليهم أحد رئيساً للجمهورية إلا إذا كان توافقياً.
وهذا الشيخ قاسم يُشكّل أيضاً تحدياً لباقي تحالف 14 آذار وبخاصة تيّار المستقبل الذي أعلن استعداده للتخلي عن مرشحه جعجع في حال تخلى حزب الله عن ترشحه لعون على أن يُصار بعد ذلك إلى تعاون القوتين بحثاً عن رئيس للجمهورية يُشكّل قاسماً مشتركاً بالنسبة إليهما.
فهل يرضى نصف المسيحيين على الأقل أن يفرض عليهم حزب الله رئيس جمهورية، يتفق عليه في الأساس المسيحيون ويقبل به المسيحيون وبماذا يمكن أن يواجه رئيس حزب القوات اللبنانية هذا النصف الذي وضع ثقته به في حال تنازل عن ترشيحه لمصلحة عون نزولاً عند قرار اتخذه حزب الله وهو الذي يعمل جهاراً ومن دون استئذان أحد من اللبنانيين، ولا سيما الدولة اللبنانية على نقل الحريق السوري إلى لبنان والذي في حال نقله سيؤدي حتماً إلى تهجير المسيحيين مهما حاول الحزب ايهامهم بأنه يقاتل في القلمون وفي دمشق، وفي كافة جبهات الاقتتال المشتعلة بين النظام والمعارضة ليس لمنع النظام من السقوط بل من أجل أن يمنع امتداد الحريق السوري.
صحيح ان الحزب يتصرف بمعزل عن الدولة أو هو الدولة، وهي ساكتة على تصرفه رغم معرفتها بالضرر البالغ الذي يلحق بلبنان، وصحيح أيضاً أن نصف المسيحيين لا يعرف مصلحة المسيحيين ويلتحق بحزب الله لاعتقاده بأنه هو الحامي لهم، لكن الصحيح أيضاً إن هناك نصفاً آخر لا يوافق على تصرفات حزب الله لأنه من وجهة نظره تقضي على الدولة، وتطيح برئاسة الجمهوريةالتي خصصت لهم بموجب اتفاق الطائف حتى لا تشعروا بالغبن كما كان يشعر المسلمون قبل التوصّل إلى هذا الاتفاق وهذا النصف لن يقبل بأي شكل من الاشكال الاتجار بمسيحيي لبنان من قبل حزب الله وتقديمهم ذبيحة لحزب الله من أجل اكمال مشروعه الإقليمي ومشروعه الآخر الذي يؤدي بشكل أو بآخر إلى إلغاء رئاسة الجمهورية التي أعطاها اتفاق الطائف للمسيحيين لكي تشكّل ضمانة لوجودهم حتى لا يشعروا بالغبن، وجر الجميع إلى مؤتمر تأسيسي يُعيد النظر في الكيان اللبناني بما يتناسب مع المشروع الإيراني الذي لم يعد خافياً على أحد ولا سيما على مسيحيي لبنان.
وما دام حزب الله يتحدث بالمكشوف عمّا يخبئه بالنسبة إلى التركيبة اللبنانية بشكل عام وإلى المسيحيين بشكل خاص، فقد بات على هؤلاء أن يرفعوا الصوت عالياً، برفض ما يحاول حزب الله أن يفرضه عليهم بقوة السلاح إذا ما فشل في اقناعهم بقوة المنطق لأنه وللأسف فقد كل منطق، ويصب الزيت على النار.