IMLebanon

حزب الله وعون لن يُقدّما تنازلات.. «الحوارات» تنتج استقراراً لا حلولاً ؟؟  

«إبتسم» ديبلوماسي غربي في بيروت «بخبث» امام حلقة ضيقة من اصدقائه عندما فتح هؤلاء بابا للنقاش حول امكانية نجاح الاطراف اللبنانية المقبلة «بنهم» على حوارات ثنائية شيعية – سنية، ومارونية ـ مارونية، في اخراج البلاد من حالة المراوحة القائمة حاليا، وانتاج صيغ للتفاهم على الملفات العالقة واهمها الاستحقاق الرئاسي، وأجاب على السؤال، بسؤال، «هل تظنون ان الامر كان يحتاج الى حوار داخلي لو ان الظروف الاقليمية والدولية نضجت لانتاج تسويات على الساحة اللبنانية»؟ 

وشرح هذا الدبلوماسي استنتاجه بالقول «ان الاطراف اللبنانية لن تكون بحاجة الى هذا «الفولكلور» الحواري لتمرير اي تسوية اذا ما تم التوافق في الخارج على «المخارج» للازمات العالقة، وهذا «الخارج» الاقليمي والدولي لا يحتاج كثيرا لهكذا زخم داخلي لتمرير اي تسوية مفترضة، ولذلك فأن جلّ ما يحصل اليوم هو محاولة لملء الفراغ للحفاظ على الوضع القائم وعدم الانزلاق نحو الاسوأ، وهذا محل اجماع لدى القوى الداخلية والخارجية على حد سواء، رغم اختلاف الدوافع والاسباب الموجبة لهذا الاجماع، لكن هذا الحد الادنى من التفاهم ينتج استقرارا ولا يؤدي الى حلول».

هذه الخلاصة تتقاطع مع معلومات لاوساط دبلوماسية عربية تحدثت عن تطورات جوهرية في الصراع القائم على المنطقة تجعل من احتمال استعجال القوى اللبنانية المتحاورة على تقديم التنازلات في هذه المرحلة «ضربا» من «الجنون»، الا اذا اختار احد الطرفين الاستسلام مبكرا والخروج من «الحلبة»، وهذا لا يبدو متاحا. فاذا كانت قوى 14 آذار تراهن على «الكباش» الاقتصادي لاضعاف الموقفين الروسي والايراني، وتراهن على نجاح اسرائيل في افشال التفاهم النووي بين ايران والغرب، فان موقف القوى المحسوبة على محور المقاومة لديها رؤية اخرى للاحداث تجعل من الانتظار او التريث عاملين ايجابيين يمكن الرهان عليهما لتحقيق اكبر قدر من المكاسب والتقليل من حجم اي تنازلات مفترضة. والسؤال البديهي هنا، لماذا الذهاب الى تفاهم الان اذا كان بالامكان الحصول على اتفاق بشروط افضل بعد اشهر؟

وهنا تتحدث تلك الاوساط عن عدة مؤشرات ذات طابع «تراكمي»، يبدأ تعدادها منذ بدء الازمة السورية وحتى اليوم، مرورا بدخول العراق على خط الازمة في حزيران الماضي، وصولا الى ما يحصل في اليمن من احداث متسارعة لها طابع استراتيجي سيغير وجه المنطقة. وفي هذا السياق لا يمكن الفصل بين زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى جوبر في ريف دمشق، وبين زيارة رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الى الضلوعية بعد تحريرها من «داعش»، فهنا وهناك «الرسالة» واضحة، «لا تراجع في هذه الحرب، لقد تمت استعادة المبادرة، وانتقل محور المقاومة من «الدفاع» الى «الهجوم». وفي السياق نفسه عبر عبدالملك الحوثي قبل ساعات عن هذا المناخ، بعد حديثه المباشر عن «نوايا انصار الله» في توسيع انتشارهم في محافظات يمنية جديدة.

وفي هذا السياق لم تعد ايران «تخجل» باستراتيجيتها تضيف الاوساط، رغم طابعها «الاستفزازي»، فقوى 14 آذار ومن معهم من حلفاء، كانوا قد ركزوا خلال السنوات المنصرمة على سلاح حزب الله، من خلال «بروباغندا» اعلامية وضغط سياسي وحتى عسكري لمحاولة اخراجه من «المعادلة»، لكن ما حصل خلال الاشهر القليلة الماضية كان على عكس ما اشتهى هؤلاء، فاليوم نشهد تعميما لهذه «الظاهرة» في المنطقة بدل انحسارها، وخير تعبير عن هذا الواقع ما قاله نائب قائد «الحرس الثوري» الايراني قبل ايام، عندما اكد أن حجم الجيوش «الشعبية» التي تشكلت في العراق وسوريا واليمن يبلغ حجمها أضعاف حجم «حزب الله» في لبنان. وهذه «رسالة» بالغة الدلالة الى «الخصوم» بان صورة المنطقة تغيرت والنمط القديم للصراع تغير، ثمة وقائع جديدة، واي نقاش جدي حول طبيعة المنظومة الاقليمية الجديدة يجب ان يأخذ بعين الاعتبار هذه التبدلات.

ولتريث قوى 8 آذار، علاقة ايضا بملف سيكون الحدث الابرز في العام 2015 بحسب الاوساط، والحديث هنا عن «الصفقة الكبرى» بين الولايات المتحدة وايران وهي التسوية التي نضجت وتحتاج إلى وقت إضافي فقط لتسويقها. ففي الاشهر المقبلة سيتضح مضمون «الصفقة» بشكله النهائي ليتحدد معه شكل الشرق الأوسط الجديد وموقع إيران فيه، والامر الخطير بالنسبة لحلفاء 14 آذار الاقليميين انهم يجلسون على «رصيف الانتظار» وليسوا جزءا من تلك «الصفقة»، وهم ينتظرون ان يتم رسم حدود دورهم في المنطقة،وفقا للاجندة الايرانية ـ الاميركية الجديدة. طبعا المملكة العربية السعودية قلقة، بعد ان خسرت اهم اوراقها «السورية»، وساهمت استراتيجيتها العراقية في تعزيز التعاون الاميركي ـ الايراني، بعد ان حولت طهران «النكسة» في العراق الى «فرصة» لتعزيز موقعها الاقليمي، والرياض باتت مقتنعة ايضا بأن الادارة الاميركية تخلت تماما، منذ تراجعها عن التدخل العسكري ابان ازمة السلاح الكيميائي، عن استخدام الازمة السورية للضغط على ايران في المفاوضات النووية، وهي تقر بان هذا الملف تم تلزيمه بشكل نهائي لإيران وروسيا، وكان الرئيس باراك اوباما واضحا عندما قال يوما «ان الرهان على تسليح المعارضة السورية لقلب النظام مجرد وهم». وهذا يعني بكل وضوح ان الاميركيين وفقا لرؤية الادارة الحالية اختاروا طمانة الايرانيين على حفظ دورهم الاقليمي الرائد في المنطقة عبر «البوابة» السورية والعراقية، وكذلك اليمنية، ويحرصون على عدم تقديم اي اشارة خاطئة قد تفهمها ايران على نحو يعطل التفاهم النووي.

وبحسب تلك الاوساط، لم يعد هذا الملف الاستراتيجي وحده ما بلور القناعة الاميركية بتعزيز العلاقات مع ايران، فملف «مكافحة الارهاب» زاد قناعة الادارة الاميركية باهمية الدور الايراني، بعد نجاح طهران بتقديم نموذج ناجح في العراق وسوريا، واثبتت انها الاقدر على تقديم العون في هذه الحرب على نقيض الدول العربية عموما، والخليجية بشكل خاص. وهذا يعني إن إيران مقبلة على تعزيز دورها الاقليمي الذي سيكون على حساب تلك الدول في نهاية المطاف، وهذا ما لمح اليه علنا قبل ايام الرئيس الاميركي باراك اوباما عندما قال صراحة «انه بامكان ايران ان تلعب دورا اقليميا مهما اذا ما تم التفاهم على الملف النووي». ماذا يعني ذلك؟ ان ثمة «خريطة» تحالفات ترسم في المنطقة وتحتاج الى عدة اشهر لترتسم معالمها النهائية؟ 

وفي انتظار ما سيقدمه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من رؤية شاملة حول المستجدات الداخلية والاقليمية يوم الجمعة المقبل ظهرا، فان سلسلة من الاسئلة البديهية تطرحها اوساط في الثامن من آذار حول سذاجة من يعتقد ان طهران في وارد تقديم التنازلات في هذه المرحلة للسعودية التي ترفض حتى الان «فتح» «ابواب» الحوار؟ فاذا كانت ايران ذاهبة لعقد «تسوية» مع الولايات المتحدة فهل يعقل ان تقبل باي «تسوية» مع دول الجوار، لا تتوافر فيها شروط الاعتراف نفسها بدورها الاقليمي الجديد في المنطقة؟ وهذا الامر ينسحب ايضا على حلفاء ايران في لبنان الذين لن يرضوا في هذه المرحلة باي تسويات لا تتناسب مع الوقائع والمستجدات المتسارعة. فهل ثمة من يعتقد مثلا ان حزب الله سيقدم لتيار المستقبل «هدايا مجانية» لا تتناسب مع طبيعة التوازنات القائمة داخليا وفي المنطقة؟ وهل ثمة من يعتقد ايضا ان رئيس تكتل التغيير والاصلاح الجنرال ميشال عون سيتراجع عن ترشيح نفسه للرئاسة امام الحاح و«ابتزاز» رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع؟ وهل من يعتقد ان هذا الفريق سيفرط اليوم برهان مثمر على بضعة اشهر قادمة بعد ان انتظر نحو 8 اشهر من «الفراغ»؟