IMLebanon

«حزب الله» والمصارف.. هذه المرة لا مفر!

الصوت المدوي الذي سمعه اللبنانيون مساء الأحد الماضي٬ لم يكن صوت انفجار العبوة التي استهدفت بنك «لبنان والمهجر». إنه صوت انكسار شيء عميق في مرتكزات الاستقرار في لبنان الذي يتجه نحو كارثة بكل المقاييس.

التفجير جاء في سياق تفاقم الاشتباك بين «حزب الله» وبين حاكم مصرف لبنان المركزي والبنوك٬ التي يتهمها الحزب بالمغالاة في تطبيق قانون أميركي أقره الكونغرس لفرض عقوبات مصرفية عليه.

لست ممن يترددون في الاعتقاد بأن «حزب الله» خلف التفجير؛ فالعنف واحدة من الأدوات الناجحة التي استعملها في كل مرة واجه مأزًقا خطيًرا شبيًها بالمأزق الحالي. حين صدر القرار الدولي (1559 (في 2 سبتمبر (أيلول) 2004 والذي طالب بين بنوده الأربعة بحل «جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها»٬ نجح «حزب الله» عبر مزيج من العنف المادي والمعنوي في تفريغ الجزء الذي يعنيه من القرار. بعد شهر جرت محاولة اغتيال الوزير في حكومة رفيق الحريري آنذاك مروان حمادة ضمن منحى تصاعدي وصل إلى اغتيال الحريري نفسه ومن بعده!

خرجت سوريا ونجح «حزب الله» في جر الحكومة والقوى السياسية إلى ما يسمى «الحوار الوطني حول الاستراتيجية الدفاعية» لسحب بند نزع السلاح عن الطاولة.

وحين قررت الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة في 5 مايو (أيار) 2008 مصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة في ميليشيا «حزب الله»٬ وإقالة قائد جهاز أمن مطار رفيق الحريري الدولي٬ أقدم الحزب على ما بات يعرف بعملية 7 أيار. وكما في حالة العنف السابقة نجح «حزب الله» عبر العنف العلني هذه المرة في إخضاع الحكومة التي سحبت قراريها وعطلت مفاعيلهما.

النموذج الثالث٬ بعد القرار (1559 (وقراري حكومة السنيورة هو لجوء «حزب الله» إلى العنف المادي والمعنوي لعرقلة عمل المحكمة الخاصة بلبنان٬ إما من خلال حماية المتهمين أو عرقلة الوصول إلى الأدلة٬ أو من خلال قتل محققين وشهود٬ أو رفع مستوى الاشتباك مع الحكومة على خلفية تمويل المحكمة والتزام لبنان بالوفاء بالمستحقات الواجبة عليه.

في النماذج الثلاثة نجح «حزب الله» في استخدام العنف لتعديل الوقائع لصالحه٬ ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن صاحب هذه السيرة سيتردد في استخدام العنف في إدارة المأزق الأخير مع البنوك.

غير أن ما يعلمه أو لا يعلمه «حزب الله» حول الأزمة الراهنة٬ أن المصارف٬ التي خدمته كثيًرا٬ لن تكون قادرة على الاستمرار في خدمته حتى لو رغبت. ولن يفيده إخضاعها حتى لو خضعت. النموذج الراهن ليس أمًرا بوسع اللبنانيين (الحكومة والمصارف) الالتفاف عليه عبر طاولة حوار٬ أو التراجع عن قرارات٬ أو التذاكي في تفسير قانوني ما٬ أو التحايل على تنفيذ الالتزامات!

للمرة الأولى يبدو «حزب الله» عاجًزا أمام هذه الحلقة من حلقات المواجهة. يتصرف كمافيا وكقوة احتلال غاشمة للبنان٬ من دون أن يمتلك قدرة المافيا أو قوة الاحتلال على تغيير الواقع لصالحها.

يستطيع «حزب الله» ربما أن يقفل كل المصارف في لبنان٬ لكنه لن يستطيع فتح حساب واحد في أي مكان في العالم. وما سيكتشفه الحزب أن الذعر الأهم هو ذعر البنوك المراسلة أو الحسابات الوكيلة للبنوك اللبنانية في أميركا٬ التي سترى خلال أشهر قليلة أن حجم المخاطرة في التعامل مع المصارف اللبنانية أكبر بكثير من العائدات. عندها هل سيفجر «حزب الله» عبوات أمام المصارف في نيويورك ولوس أنجليس؟

نحن في الحقيقة أمام عجزين؛ عجز «حزب الله» وعجز من قد يرغب في مساعدته٬ أو من يصر «حزب الله» أنهم مسؤولون عن مساعدته.

إصرار «حزب الله» مبني على قراءة خاطئة «لعبقرية» معالجة أزمة البنك اللبناني الكندي الذي اتهم بتبييض أموال لصالح «حزب الله» ناتجة من نشاطات جرمية كتجارة المخدرات والسيارات المسروقة. جرت تصفية المصرف صيف ٬2013 ولم يتطور الأمر إلى ملاحقة «حزب الله». لم تكن التسوية يومها ناتجة من عبقرية لبنانية٬ مدعو رياض سلامة لتكرارها اليوم٬ بل عن حسابات أميركية معقدة لم تكن معلومة يومها وباتت معلومة اليوم. تزامنت التحقيقات في أنشطة البنك اللبناني الكندي (البادئة قبل وضع  الخزانة الأميركية المصرف على اللائحة السوداء في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2011 (مع المفاوضات الإيرانية الأميركية السرية يومها٬ من خلال ما يسمى «القناة العمانية». كانت حماية هذه القناة الجدية التي أوصلت إلى الاتفاق النووي لاحًقا أولوية حكمت كل ما عداها وفق توصيات وأوامر صارمة من البيت الأبيض٬ وهو ما تحررت منه الإدارة الأميركية إلى حد كبير اليوم بعد إنجاز الاتفاق٬ ولن تكون ملزمة بمراعاة لبنان كما فعلت في السابق. ما فهمه اللبنانيون رعاية دولية للبنان وعبقرية خاصة لحاكمه هو ظرف انتهى بتوقيع الاتفاق النووي.

«حزب الله» إذن بإزاء عجزين؛ عجز رياض سلامة عن اجتراح تسوية كتسوية البنك اللبناني الكندي٬ وعجز «حزب الله» عن تحصيل نتائج عبر العنف.

اعتاد «حزب الله» على أن يحكم شيعة لبنان وفق معادلة «فدا حذاء السيد». الودائع الشيعية في مصارف لبنان تبلغ نحو 52 مليار دولار٬ ومن غير المعلوم أن مجموعة بشرية تملك هذا الحجم من الأموال قالت قبلاً «فدا حذاء» أي أحد. وإن قالت٬ ودعوا لبنان.