بعد التصعيد بين حزب الله والتيار الوطني الحر، جاءت فترة سماح للطرفين، على أساسها تتوسع دائرة الاتصالات، التي برز فيها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، قبل معاينة المرحلة المقبلة وفق تفاهمات جديدة
لا شك في أن الحركة السياسية التي قام بها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في الآونة الأخيرة أحدثت خرقاً في مقاربة المشهد السياسي، وإن لم تفتح بعد أي ثغرة يمكن البناء عليها سريعاً. ولعل زيارته ورئيس الجمهورية السابق ميشال عون إلى بكركي يوم عيد الميلاد – كما هي عادة رؤساء الجمهورية – أكملت الصورة العامة التي يتحرك ضمن إطارها في أكثر من اتجاه، بين عقد لقاءات واتصالات موسعة. ويبدو القاسم المشترك فيها أنه يرسم خطاً بيانياً واضحاً. لكن يبقى ما حصل بينه وبين حزب الله محور اهتمام على خلفية حركته الأخيرة.
منذ أن انفجر الخلاف بين التيار والحزب، وتبادل الطرفان التصعيد بوجوه مختلفة، قيل الكثير عن الانفصال الذي بدا وكأنه يقارب حد التخلي عن ورقة التفاهم، بعدما لوّحت بها القاعدة العونية وأمعنت في توجيه رسائل المطالبة بتمزيقها. ولم يكن باسيل مقلاً، بدوره، في توجيه رسائله والحزب كذلك. وجاءت حركة باسيل الأخيرة لتؤشر، في نظر خصومه، إلى محاولته الخروج من الحصار المفروض عليه بحركة ارتدادية تصيب حزب الله.
لكن بعد هدوء الأيام الذي تلى عاصفة الخلاف، وما حصل في الأيام الأخيرة، ثمة قراءة أكثر واقعية تتحدث عن أن الجرة لم تنكسر بين الطرفين. فما قيل في الخلاف صحيح، والسقف العالي الذي وضع الطرفان خلافهما عليه كان حقيقياً، لكنه أعطى مفعوله لكليهما. فباسيل وازن مصلحته بين التهدئة وفك التفاهم على أبواب استحقاقات كثيرة، وإن كان لوح به وأعطى مجالاً رحباً لتوجيه رسائل تتعلق بمرشحه للرئاسة في جلسات الانتخاب. لكن المتقدم هنا هو موقف الحزب الذي لا يرى فائدة ترجى من توسيع رقعة الخلاف إلى الحد الذي يمكن أن يتخلى عن ورقة التفاهم ولو أنها أصبحت مؤهلة للتجديد. فباسيل والتيار لا يزالان يمثلان حاجة للحزب، لأنه بغض النظر عن فحوى أي توتر بينهما وملاحظات يبديها حزب الله تجاه حليفه، يبقى التيار الطرف المسيحي الذي يملك الحزب صلة وصل معه. وإلا فإن ممر علاقاته مع القوى المسيحية سيصبح من خلال الرئيس نبيه بري، وهذا الأمر لا يحبذه مطلقاً، لأنه بذلك يفقد الهامش الذي يبقيه متفرداً بما يريد القيام به من شبكة علاقات ومصالح.
حزب الله لم يفقد الأمل في إقناع باسيل بتبني ترشيح رئيس تيار المردة
ولأن الجرة لم تنكسر، رغم تبادل الرسائل الحادة، جاء تحرك باسيل وكأنه من ضمن فترة سماح بينه وبين الحزب قبل التوصل معاً إلى تسوية. فباسيل لم يتحرك لفك الطوق السياسي عليه أو لتوجيه رسائل إلى الحزب كما يقول خصومه، ولم يتصرف من «وراء ظهر الحزب» في توسيع مروحة اتصالاته، ولم يعقد لقاءاته سراً. فلا الحزب فقد الأمل في إقناع باسيل بتبني ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ولا باسيل فقد بدوره الأمل في إقناع حليفه بسحب دعمه لفرنجية. لذا تصبح تحركات باسيل ضمن إطار أوسع في جولة استكشافية واسعة لتكوين صورة أوضح عن آفاق المرحلة المقبلة وأدوات أي مبادرة سياسية مقبلة، بخلاف ما كان رسمه سابقاً.
والحزب بدوره لا يمانع في فترة سماح وتهدئة والتوصل إلى خلاصات يمكن من خلالها البناء على مرحلة جديدة بين الطرفين ومع الدائرة السياسية الأوسع. فالحزب يريد إقناع باسيل بفرنجية والأخير يريد إقناع الحزب بأن ثمة خيارات أخرى قد يكون من المفيد عدم غض النظر عنها، والبناء عليها، وهو يقدم للحزب مروحة واسعة ويلعب سياسياً إلى الحد الذي يتصرف على أنه قادر على طرح بدائل كثيرة وصولاً إلى الحد الذي يمكن أن يكون هو مرشحاً، من دون أن يعني ذلك أنه طرح اسمه كمرشح نهائي.
يتصرف رئيس التيار على أنه قادر على الخروج بصورة جديدة عن المرحلة المقبلة يمكن للحزب أن يتقاطع معه عليها. وحزب الله لا يرى عبثية في ذلك، بل قد يرى فائدة في ما يحصل حالياً، لأنها مرحلة يمكن له فيها إقناع باسيل بفرنجية، إذا اصطدمت خيارات الأول بحائط مسدود. وهذا يعني أن الطرفين لم يقطعا شعرة معاوية بينهما ولن يقطعاها، على قاعدة محاولة الاتفاق على مرحلة جديدة قائمة على تفاهمات رئاسية بالحد المقبول لكليهما.
أما إذا رست التسوية الخارجية على أي اسم توافقي، أكان قائد الجيش أو أي مرشح آخر تتوافر فيه مواصفات التوافق الإقليمي عليه، فهذا سيكون أهون الأسباب للتفاهم بينهما. لأنهما سيكونان حينها رتبا أوراقهما وأوضاعهما بحيث تأتي التسوية سهلة على كليهما، بعدما حدّا من الأضرار التي أصابتهما. وفي الحالتين سيكونان بعد اختيار الرئيس في حاجة إلى معالجة تفاهمهما بهدوء، تماماً كما هي حالهما إذا لم تتم الانتخابات في المدى المنظور.