Site icon IMLebanon

«حزب الله» وباسيل.. حدود التقاطُع والخلاف

 

أي مقولة هي الأصح: الوزير جبران باسيل ينفذ سياسة «حزب الله»؛ الحزب منزعج من مواجهات باسيل ومواقفه؛ باسيل أولويته بناء مشروعيته بمعزل عن أي اعتبار آخر؛ الحزب مستفيد من حركة باسيل شرط أن لا تطيح بالاستقرار…

 

السؤال البديهي الذي يطرحه البعض: لماذا «حزب الله» سيكون منزعجاً من مواجهات باسيل المتنقلة طالما أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» يواجه خصوم الحزب السياسيين: الرئيس سعد الحريري، الدكتور سمير جعجع والنائب السابق وليد جنبلاط؟ فصحيح انّ التسوية علّقت الانقسام العمودي، ولكن هذا الانقسام ما زال في عمقه وجوهره هو نفسه، وأي تطورات معينة يمكن ان تقود إلى تجدّد المواجهة من باب العناوين الوطنية والسيادية الكبرى، وبالتالي للحزب مصلحة في عدم ترييح هذا الثلاثي الذي يختلف معه استراتيجياً، وإبقاء المواجهة مفتوحة، إنما على نار خفيفة، ومن مربّع باسيل لا الحزب، تجنّباً لتجدّد الاشتباك معه تحت عنوان السلاح في مرحلة يبدّي فيها التبريد على التسخين إمراراً لقطوع التطورات المتصلة بالمنطقة.

 

ففي مرحلة تأليف الحكومة، تولّى باسيل بالنيابة عن «حزب الله» العمل على ثلاثة محاور: محور تقليص حصّة «القوات اللبنانية» الوزارية ومنعها من الحصول على حقيبة سيادية، ومحور خرق التمثيل «الإشتراكي» بوزير إرسلاني ومخرج رئاسي، ومحور تمثيل المعارضة السنيّة التي إضطر الحزب إلى الدخول بقوة على هذا الخط، بعد عجز باسيل عن تحقيق النتيجة المرجوة، وليؤكّد الحزب لـ«المستقبل» تمسّكه بهذا التمثيل وزارياً والمستند إلى لقاء سنّي معارض، سرعان ما انفرط عقده مباشرة مع تأليف الحكومة، بما يثبت أنّه تمّ تجميعه لهذه الغاية، وكل الهدف منه كان اختراق التمثيل الوزاري السنّي.

 

وبمقدار ما كان الحزب في حاجة الى باسيل لتمثيل المعارضة الدرزية والسنّية وتحجيم التمثيل «القواتي»، بمقدار ما كان في حاجة الى إبقاء تمثيل رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» ما دون الثلث المعطّل، فخاض معركة التأليف بتوازن دقيق، متكئاً من جهة على رغبة باسيل بالاستئثار، ولكن من دون ان يُطلق يديه في هذا الاتجاه. وساعياً من جهة أخرى إلى الدخول على خط التأليف من باب التمثيل السنّي، ولكن من دون أن ينقل المواجهة إلى حضنه.

 

ولم يكن الحزب في أي لحظة مع إخراج «القوات» و«الإشتراكي» من الحكومة أو تأليفها من دون الحريري، لأنّه يريد تجنّب معارضة وازنة شعبياً ونيابياً خارج الحكومة، تصبح «شغلتها ومشغلتها» سلاحه. كما يريد تجنّب الصدام مباشرة مع باسيل داخل الحكومة. ومن هنا حاجته الى توازن يردع «شطحاته» وممارساته وتفرّده بالقرار، وهذا ما يفسِّر مثلاً معارضته لخطة الكهرباء وترك مواجهتها الى غيره. وعلى هذا الأساس جاء تشكيل الحكومة ليعكس توازناً دقيقاً لا أرجحيّة فيه لأحد، حيث تتنقّل الأكثرية حسب الملف المطروح، ولا بل، إنّ حاجة «التيار الحر» إلى الموازنة بين «حزب الله» و«المستقبل» جعلت التوجّه العام للحكومة 14 آذاري الهوى.

 

والبروفا التي شهدتها عملية تأليف الحكومة تنسحب يومياً على الحياة السياسيّة من زاوية انّ «حزب الله» في حاجة الى عدم ترييح خصومه الاستراتيجيين، ولكنه في الوقت نفسه لا يريد الإطاحة بالاستقرار السياسي، فيترك باسيل على طبيعته، إلى حين يشعر أنّ الطبيعة الباسيلية باتت تهدّد الإستقرار السياسي والإنتظام المؤسساتي، فيتدخّل لضبط الأمور كما حصل أخيراً في المواجهة مع «المستقبل»، بعدما تيقّن أنّ هذه المواجهة خرجت عن حدودها وسقفها ويمكن أن ترتد سلباً عليه، لأنّ أي تعبئة للبيئة السنّية ستُوجّه عاجلاً أم آجلاً ضد «حزب الله».

 

فأولوية «حزب الله» اليوم، هي التبريد السياسي واستمرار «الستاتيكو» الراهن. وما يخشاه الحزب، هو ان تؤدّي مواجهات باسيل في لحظة معينة إلى انفلات الأمور وانهيار «الستاتيكو»، لأنّ أجندة باسيل الرئاسية ومتطلباتها السياسية تختلف عن أجندته بالحفاظ على الاستقرار، وذلك من منطلق انّ باسيل يُدرك جيداً أنّ «الستاتيكو» الحالي لا يوصله إلى القصر الجمهوري، لأنّ أربعة مكونات حكومية تقف علناً ضده: «القوات» وحركة «أمل» و«الإشتراكي» و»المردة»، فيما بيئة «المستقبل» في غير وارد تكرار التجربة الحالية، وقيادتها تحاول التوفيق بين وضعيّة رباعية: الشارع السنّي، الموقف السعودي، موقف «القوات» والحفاظ على الحكومة، لأنّ مجاهرة «المستقبل» برفض باسيل ستطيح الحكومة، في رأي البعض، فيما «حزب الله» لا يتبنى علناً باسيل، كما كان الحال مع العماد ميشال عون، الذي انطلق في معركته الرئاسية من رافعة الحزب.

 

وعليه، من غير المستبعد أن يطيح باسيل «الستاتيكو» الراهن، الذي لا يتناسب إطلاقاً مع طموحاته الرئاسية. ولكن هذا التوجّه يصطدم بتوجّه «حزب الله» الذي حذّره من أي خطوة من هذا النوع، لأنّ حدودها لن تقف عند حد معيّن، باعتبار انّ الوضع اللبناني معقد جداً بتوازناته السياسية والطائفية والمذهبية وتداخله مع التطورات الخارجية الدقيقة والخطيرة، وبالتالي، أي خطوة غير محسوبة يصعب تقدير مؤدياتها ونتائجها.

 

ومن هذا المنطلق على باسيل أن يتعايش مع الضوء الأصفر الذي يعطيه إياه الحزب لإدارة مواجهاته المتنقلة لانتزاع شرعية يأمل انتزاعها، وان يكتفي بحدود هذا التقاطع مع الحزب، الذي لا يريد ترييح الثلاثي الآذاري، ولكنه في الوقت نفسه إغضابه. فلا ضوء أخضر يعيد الانقسام إلى سابق عهده، ولا ضوء أحمر يريِّح خصومه الاستراتيجيين، فيما أكثر من مؤشر يدلّ الى انّ التوازن الحكومي لن يكون لمصلحة باسيل، كما أنّ مسار الحياة السياسية لن يكون أيضاً لمصلحته، في ظل تصميم أكثر من فريق على مواجهته، بدءاً من رئيس الحكومة الذي وجد أن غض نظره من منطلق «أم الصبي» سيطيح الإستقرار ويؤلِّب شارعه ضده، فيما لا حاضنة سياسية فعلية لباسيل في حال تكتلت المكونات الحكومية الأساسية ضده، ليس من باب الهجوم لعدم منحه فرصة تصوير نفسه بالضحية، بل من باب الدفاع عن حضورها ودورها والتوازنات والانتظام والاستقرار المهدّدين على يد باسيل.

 

في الخلاصة، لا «حزب الله» يريد مجاراة باسيل حرصاً على «الستاتيكو» القائم، ولا «المستقبل» يستطيع مجاراته من موقع الخلافي معه ومن موقع المتضرر أيضاً من أسلوبه حكومياً وسنّياً، ولا القوى الأخرى في وارد التهاون من الآن فصاعداً معه تحت أي عنوان، وهي على استعداد لخطوات غير متوقعة، ولا الوضع الذي يقف فعلاً على «صوص ونقطة» سياسياً واقتصادياً وشعبياً يحتمل ان يواصل رئيس «التيار الحر» معاركه المتنقلة. وبالتالي، في ضوء كل هذه الصورة، هل سيبدِّل باسيل في أسلوبه، أم سيأخذ هدنة لنفسه، أم سيواصل معركته وفق أجندته على طريقة «سارحة والرب راعيها»؟