حوّل قادة «حزب الله» الديموقراطية في لبنان إلى ستارة يتلطّون خلفها لإعلان مواقف لا تعكس نواياهم الفعليّة المُبيّتة الرامية إلى شل البلد وتعطيل استحقاقاته الدستورية خدمة للمشروع الإقليمي الذي يحملونه، ففي كل مرّة يكون البلد فيها متجهاً نحو الانفراج الاجتماعي والسياسي والأمني، يخرج هؤلاء القادة ليُعيدوا بكلامهم «المعسول» المُبطّن تارة وبتهديداتهم طوراً، المشهد برمّته إلى المربّع الأوّل، وهو نهج دأبوا عليه منذ أن وضعوا نصب أعينهم الاستفراد والانفراد بالوطن وبقراراته ومصيره.
يستمد «حزب الله» ديموقراطيته من إيران البلد المؤسّس لهيكليته ومن حكمها «الفقيه» الحاكم بين الناس على أساس ميزان «معكوف» يُساوي بين الضرير والبصير فيحكم بالإعدام على أطفال ونساء وشيوخ أبرياء، وفي الوقت عينه يمنح الرتب والمراكز العالية في الدولة للأشخاص الأكثر ارتكاباً للجرائم بحق الشعوب الفقيرة المسالمة، لمجرّد أنهم ينتمون إلى «الحرس الثوري الإيراني» المدعوم من أعلى الهيئات والمراكز الدينية في النظام أي «ولاية الفقيه». ومن هنا يستمد الحزب ديموقراطيته اليوم ويُمارسها بالتالي على اللبنانيين إمّا بانقلابات سوداء، أو بإفراغ المؤسسات الدستورية وتعطيله للانتخابات بكافة فروعها على رأسها الرئاسة الأولى.
الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله غير «مستعجل» لإنضاج تسوية يُمكن أن توصل إلى ملء الفراغ الرئاسي سواء أكان المرشح حليفه أم لا، فكل ما من شأنه أن يُبّت ويُركّز دعائم الدولة سيُواجه برفض مطلق من الحزب الذي يدعو قادته في كل يوم من أيام السنة، إلى الوحدة والتفاهم والحوار والالتقاء.. إلى آخر معزوفتهم «الوطنجية»، وذلك لأسباب تتعلق بإنتفاء الحاجة اليه والتخلي عن دوره المزعوم خصوصاً من جمهوره في حال انحسر دوره وفرضت الدولة حضورها على مساحة الوطن وتحديداً داخل المربعات الأمنية.
في إطلالته الأخيرة، أفرد نصرالله مساحة في خطابه للتحدث عن الديموقراطية ودورها البنّاء في تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء السياسيين في البلد، لكنه لم يشرح بالضبط فحوى هذه الديموقراطية وما تتضمنه من ألغاز ومعانٍ مُبطنة يُمكن أن يصرفها حزبه في كل زمان ومكان تقتضيه مصلحته ومصلحة مُشغليه وداعميه الإقليميين. لكن نصرالله لم يشرح لمستمعيه ما إذا كان مضمون ديموقراطيته يُشبه «ديموقراطية» الثامن من آذار ويوم القمصان السود والانقلاب على الأعراف والمواثيق الدستورية، وما إذا كان يُشبه الاستفراد بقرارات الحرب والسلم مرّات بجر البلد إلى حرب مدمرة، وأخرى باستجلاب الإرهاب، ليعود في كل مرّة ويُطالب بوحدة الموقف والمسار والمصير وبـ«وثيقة شرف» بين السياسيين.
بدا نصرالله هذه المرّة أكثر وضوحاً من أي وقت مضى لجهة تأكيده أن لا انتخابات رئاسية في القريب العاجل وهو الذي رسم خريطة طريق للكرسي لا تمر إلا بـ«حارة حريك» التي يبدو أنه استبدلها بـ«عنجر» سابقاً وتحوّل هو إلى رستم غزالة آخر، لتبدو خلاصة موقفه أن لا مصلحة لحزبه حالياً في انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة كونه يفضل أن يبقى الوضع مستقراً نسبياً في لبنان لأن استقرارها واستمرارها يشكل غطاء سياسياً له بعدما تحوّل من حزب مقاوم الى فريق يُشارك بشار الأسد في جرائمه.
كلام نصرالله «الديموقراطي» و«التوافقي والتعطيلي»، كان نسفه رئيس كتلة حزبه النائب محمد رعد يوم أشهر سلاح الحقد والتعطيل يوم قال «نريد شخصاً نسلمه موقع رئاسة الجمهورية شرط أن يتمتع بصلاحيات يستطيع أن يحكم من خلالها البلاد». يومها أيقن اللبنانيون أن هذا الكلام وما يُمكن أن يصدر لاحقاً عن أعلى سلطة في الحزب، لا يُمكن إلا أن يُفسّر على أنه إطاحة لكل ما تبقى من آمال اللبنانيين في تحقيق الاستقرار الوطني والأمني والاقتصادي والمعيشي. وأمس الأول جاء كلام نصرالله ليؤكد المؤكد بأن لا انتخابات رئاسية قريبة ولا من ينتخبون طالما أن حزبه مُصرّ على العودة بالبلد ألف خطوة إلى الوراء في كل مرّة يتقدّم فيها خطوة إلى الإمام.