مشكلة «حزب الله» أنه لا يتعامل مع الاحداث والوقائع لا بعقلانية ولا من منطق الشعور بالمسؤولية، فكل الأمور بالنسبة اليه سيان، طالما أنه يعتبر نفسه الآمر الناهي وربما «الولي الفقيه» على الشعب اللبناني. يضرب التسويات ويُبيح المُحرّمات ويرتكب المعصيات في السياسة كما في العسكر، ثم يعود بعدها ويُلقي على بقيّة الأطراف تهمة العرقلة والإنصياع إلى رغبات خارجية وليستقّر في نهاية جولته الإتهامية، على معزوفته المُعتادة «خونة»، «عملاء» وصولاً إلى «النوتة» أو النغمة المُفضّلة لديه، «أصحاب أجندات خارجية».
في كل مرّة يطل فيها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله على اللبنانيين سواء في المهرجانات أو الإطلالات التلفزيونية، لا يحمل اليهم سوى الأوامر: «إفعلوا»، «إذهبوا»، «اجتمعوا»، ثم يأتي دور قياديي حزبه بعدها، ليُحمّلوا غيرهم مسؤولية تردّي الأوضاع ويتهمونهم بعرقلة المشاريع وتعطيل الإستحقاقات، والأنكى أن دعوات نصرالله هي دائماً بنظرهم ليست فقط هي الصح، بل الأصح على الدوام وعلى الجميع أن يتلقّفها ودائماً «قبل فوات الأوان». وهذا ما كان بالأمس حيث راحت كتلة «الوفاء للمقاومة» تتهم تيّار «المستقبل» بأنه «لم يستطع تلقف دعوة نصرالله لايجاد مخرج للأزمة«، وأن لكلام الأخير «بعدا وطنيا نحمل الفريق التعطيلي في المستقبل مسؤولية اجهاضه«.
يبرع «حزب الله» في تبديل الأدوار المُسندة اليه وفي اللعب على اجتراح مخارج وحلول لأزماته بقدر ما يُجيد قلب الحقائق وحرفها، ويبرع أكثر في تقمص شخصية الضحية وفي تنصله من واجباته وارتكاباته على حد سواء. فهذا ما يبرز بشكل جليّ في كل مرّة تُطالع فيها كتلة الحزب اللبنانيين ببيانات لا تستوفي الحد الأدنى من المصداقية ومن دون أن ترتكز إلى الإجراءات والشروط المرعية في علم السياسة النظيفة. وإنطلاقاً من كل هذا التشتت والأزمات والتخبط على أنواعه، تنتهز «الوفاء للمقاومة» إطلالتها الإسبوعية، لترمي بعجزها وضعفها عن تحقيق تقدّم ما في الأزمات الداخلية، على بقيّة الأطراف، وذلك في محاولة منها لإشاحة النظر عن الخسائر التي يتكبدها «حزب الله» في سوريا والذي يبدو أنه عاد إلى سياسته القديمة المبنية على إخفاء الحقائق حول ما يجري في الحرب هناك وذلك بعد ازدياد الخسائر البشرية في صفوفه خلال معركة «حلب».
على الرغم من إنكاره الحقائق بشكل مستمر، إلّا أن «حزب الله» يُدرك في قرارة نفسه جيّداً، أن تيار «المستقبل» وحلفاءه، هم أكثر جديّة منه لجهة الوصول إلى حلول تُنهي الأزمات الراهنة وعلى رأسها إنهاء حالة الفراغ الرئاسي في البلد. تماما كما يُدرك أن من أولويات «المستقبل»، الوصول باللبنانيين إلى برّ الأمان ولذلك لم يزل يُحافظ على جلسات الحوار الثنائية والجماعية، على عكس الحزب الذي تنصّل منها مراراً وتكراراً، فجل ما يسعى اليه «المستقبل»، هو إنهاء حالة الشلل من خلال وصوله مع بقيّة المكوّنات الى حلول توافقية تُرضي الجميع حتى ولو كانت على حساب مواقف كان أطلقها في السابق، لكن لا ضير بالنسبة اليه، طالما أن مصلحة البلد هي الأساس والاهم بالنسبة اليه ولحلفائه. وهذا بالضبط ما لم يقم به «حزب الله» حتّى اليوم، لا من جهة التقريب بين الجميع، ولا لجهة التنازل عن مشاريعه أو أجندته الخارجية، لصالح أي من حلفائه.
يتبع «حزب الله« مقولة تغطية «السموات بالقبوات« من خلال تصويره الوضع وكأن هناك حرباً كونية تُخاض ضده، فيستغل قلب الحقائق لشد عصب جمهوره وبيئته في مواجهة خصومه السياسيين وتحديداً «المستقبل« وحلفاؤه وتقليب اللبنانيين ضدهم. وكم جميل أن يتغنّى الحزب اليوم بمؤسسات الدولة وبتعويله عليها وركونه إلى القضاء وذلك من باب تنبيهه أمس من «مخاطر التباطؤ المريب في محاسبة المتورطين في قضية الانترنت غير الشرعي بخاصة بعد انكشاف كل خيوطها ومعرفة الجهات المسؤولة عنها«. لكن الأجمل، هو إستعادة لمحة موجزة من التاريخ تُظهر كيف همّش الحزب ودمّر دور هذه المؤسسات على مدى عشرات السنين لصالح مؤسساته الخاصة، وكيف حاصرها واستباح الموانئ والمرافق وكيف حوّل مناطق نفوذه إلى ملاذ آمن للمطلوبين إلى العدالة، وإستئثاره بقرار الحرب ومحاولته إنشاء حشود شعبية وبدعمه اليوم لبعض الحركات المشبوهة. وبعد شرح هذا وتفصيل ذاك، هل يحق لـ«حزب الله« أن يُحاضر في العفّة أو أن يُبرّئ نفسه من كل هذه الإرتكابات على مساحة الوطن، أو أن يرمي الناس بالحجارة؟
من نافل القول، أن كتلة «الوفاء للمقاومة» في واد وجمهورها في واد آخر. جمهور ينتظر إطلالة ما أو بيانا ما يُعلن خلاله الإنسحاب التدريجي لأبنائه من الموت المُحتم أو أقله ينتظر خبراً يُريح القلوب قد يكون عودة إبن أو أب أو شقيق إلى منزله لا إلى المستشفى، لكن «الكتلة» كان كل همّها أمس، أن تتهرّب من مساءلة جمهورها الذي ما عادت تعنيه أخبار الداخل، بقدر ما تعنيه حياة أبنائه في الخارج، فكان الهذيان والتهرّب من المسؤولية، هما سيدا موقفها، فراحت توزّع الإتهامات وتُحمّل نتائج فشلها لغيرها، لكنها نسيت هذه المرّة، أن تُضيف ملف «الإتجار بالبشر» إلى بيان الأمس.