«
لم يعد الصراع في سوريا شأناً داخلياً محضاً، فالأدوار هناك تطورت وتبدلت طبقاً لظروف فرضها النظام السوري ومعه «حزب الله« بتوجيه إيراني قضت بتحويل الخلافات داخل هذا البلد من صراع بين نظام مستبد يفرض ظلمه منذ خمسين عاماً، وبين شعب توّاق الى الحريّة سعى يوم أتاحت له الظروف للتعبير عن رأيه، الى الخروج إلى الشارع ليرفع صوته في وجه جلاّده، قبل أن يُواجه بآلة قتل تفنّنت بالفتك فيه ولوّنت أيامه بلون الدماء.
أمس تناقلت بعض الوكالات والصحف خبر مقتل نجل رجل الدين الداعية عمر بكري فستق في العراق خلال مشاركته في القتال ضمن تنظيم الدولة الاسلامية، أثناء قيادته مجموعة قتالية كانت تقود هجوماً ضد «الحشد الشعبي» في محافظة صلاح الدين شمال العاصمة بغداد. إلا ان الخبر لم يقف عند هذا الحد، فذكر أن ابنا آخر لفستق يُدعى محمد كان قد قُتل أيضاً منذ أشهر عدّة، أثناء قتاله في صفوف التنظيم نفسه في مدينة حلب السورية تحت مُسمّى «الجهاد».
قد يندرج خبر مقتل الشقيقين فستق وغيرهما من الشبان في سوريا اليوم، ضمن الأخبار العادية التي يتم تناقلها بشكل يومي عبر وسائل الإعلام المحلية والعالمية. هذا في الشق الظاهر من الموضوع، لكن من ناحية أخرى فهناك من يسأل عن السبب الذي جعل هذين الشابين يغادران موطنهما الثاني بريطانيا ويتوجهان للقتال في سوريا تحت راية «الجهاد» وعن الأسباب التي تحمل شبانا آخرين إلى سلوك الطريق نفسه أي طريق الموت، على الرغم من طابع حياة الرفاهية التي كانوا يعيشونها قبيل توجههم إلى الموت بأرجلهم.
«العنف لا يولّد إلّا العنف». مقولة تحقّقت وتطابقت مع الواقع السوري منذ أكثر من أربع سنوات، لكنها تكاثرت اليوم وأصبحت ظاهرة مُبرّرة لدى البعض خصوصاً إذا ما قورنت بالأفعال التي يُمارسها النظام وحلفاؤه بحق الشعب السوري حيث الأغلبية السنيّة المغلوب على أمرها منذ حكم حافظ الأسد وصولاً إلى زمن نجله اليوم والذي فاق والده ببطشه وظلمه واجرامه. من هنا تؤكد مصادر في الثورة السوريّة أن بشار الأسد ومن ورائه النظام الإيراني و»حزب الله»، كان لهم الدور الأبرز في تحويل سوريا كلها من وطن أراد شعبه تحريره بالحناجر والهتافات والطرق السلمية، إلى أرض للجهاد بعد ممارساتهم القمعية تحت شعارات مذهبية متعددة كإدعائهم حماية المراقد مروراً بتهجير أهالي قرى معروفين بإنتمائهم المذهبي والتنكيل بهم، ووصولاً إلى التقسيمات الديموغرافية على غرار ما حصل بالأمس في مدن «الزبداني» و»الفوعة» و»كفريا» وما سيلحقها في كل من مدينتي «نبّل» و»الزهراء».
وفي ما خص توافد ما يُسمّى «المجاهدين» إلى سوريا كما حصل مع الاخوين فستق، توضح المصادر بأن أكثر من ثلثَي السُنّة في سوريا لم يكونوا يجيدون استعمال السلاح بشكل فعّال، ولم يكونوا في الأصل يتوقعون أن تصل الأمور بينهم وبين النظام إلى هذا المستوى من التقاتل بالسلاح. لكن النظام ومعه حلفاؤه أوصلوا الوضع الى هذا الحد من التدهور من خلال ممارساتهم التعصبية والمذهبيّة بحيث إحتلوا المساجد ودمّروا بعضها واستباحوا الحرمات وهتكوا الأعراض، وهذه أمور كُلّها موثّقة بالوقائع والصور، ولذلك إستبشر معظم هذا الشعب خيراً بقدوم «المجاهدين» إلى بلدهم ظنّاً منهم أنهم سيُعينونهم على دحر المحتل، لكنهم وقعوا بين سندان «الجهاد» ومطرقة النظام وحلفائه.
وتختم المصادر بالقول ان «الأغلبية السورية والتي تنتمي إلى فئة محددة، ظلّت بعيدة عن العسكر والسلاح في الدولة خلال حكم ال الأسد حيث كان يتم الهاؤها بتحصيل لقمة عيشها وتحديداً في الأرياف. لكن في المقابل كانت مناطق أخرى محسوبة على النظام سواء سياسياً أو مذهبيّاً، تنعم بازدهار تجاري إن لناحية التهريب على الحدود اللبنانية – السورية أو لجهة تجارة الأسلحة التي كانت بمثابة جوازاً رسمياً يسهّل لقاطنيها الاحتفاظ بأي قطعة سلاح يريدونها داخل منازلهم من دون أن تتجرأ السلطات على محاسبتهم أو حتى مساءلتهم«.