IMLebanon

«حزب الله» و«المستقبل».. و«المعركة الباردة» في عرسال

هل تحمي «الخطوط الحمراء» وظيفة المسلحين في الجرود؟

«حزب الله» و«المستقبل».. و«المعركة الباردة» في عرسال

يرفع تيار «المستقبل» صوته ويحاول، عبر التجييش السياسي و «غير السياسي»، ان يبني خطوطاً حمراء حول بلدة عرسال لمنع استهدافها من قبل «حزب الله». فالحزب، في نظر «المستقبل»، هو الخطر بعينه على عرسال، وتحت هذا العنوان، يحاول أن يزرع في الذهن العام أن «حزب الله» يكمن للبلدة ويريد استهدافها من موقع العداء لأهلها.

يقفز تيار «المستقبل»، عن قصد، فوق الكلام العلني والصريح الذي قاله «حزب الله» عبر أمينه العام السيد حسن نصرالله، بأنه يمدّ يد الأخوة الى عرسال، مبدياً الحرص عليها وعلى أمنها وسلامة أهلها، وأنَّ عين الحزب هي على جرود البلدة. ومن هنا دق جرس الإنذار من خطر المجموعات الإرهابية المنتشرة في تلك الجرود، وكذلك في البلدة نفسها، محيلاً أمر معالجتها الى الدولة وحدها.. وها هي الحكومة، التي لتيار «المستقبل» الحصة الوازنة في قرارها، تشخص موضع الخطر على عرسال المتمثل بالمسلحين، وتكلف الجيش باتخاذ الإجراءات اللازمة لقتالهم وحماية البلدة منهم.

أمام هذا التناقض، يُطرح السؤال: لماذا ذهب «المستقبل» الى هذا الموقف الصدامي مع «حزب الله»، ولماذا يتجاهل اليد الممدودة من نصرالله الى عرسال؟

حملة «المستقبل» مستمرة من أجل وضع «حزب الله» في قفص الاتهام الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا. وحلفاء «المستقبل»، سواء ملكوا معطيات دقيقة او لم يملكوها، وسواء أكان «المستقبل» مخطئاً أو مصيباً، يعزفون على وتره، ويغنون اللحن الذي يعجبه او يريد ان يسمعه، وينتظرون الخطوة التي سيقدم عليها «حزب الله» كي يبنوا على الشيء مقتضاه.

ومن هؤلاء من هو مرتاب جداً من مسارين مختلفين يعتمدهما الحزب في آن واحد: ففي الميدان معارك عسكرية متواصلة منذ أسابيع وعمليات قضم، وفي مكان آخر كلام حزبي من نوع ان «المعركة تخبر عن نفسها عندما تبدأ، ويمكن ان تُستنسَخ معركة القلمون، ويمكن ان تتم الأمور بطريقة اخرى. هي بالنسبة إلينا معركة باردة وليست حارة، فلسنا مستعجلين، ولن نحرق المراحل».

لا يجد «حزب الله» نفسه في موقع الدفاع عن النفس، هو يقوم بما هو مقتنع به ويقدم من أجله التضحيات، وبالتالي لا يتوقف عند اتهامات الآخرين المستمرة منذ سنوات والتي لم تغير في مسار واستراتيجيات الحزب. وللتذكير، فإن الحملة على الحزب كانت على أشدها في عدوان تموز 2006 ولم تؤثر على أداء الحزب الذي حقق انتصاراً تاريخياً على العدو الإسرائيلي. فماذا ستؤثر الحملات المرتبكة عليه في هذه المرحلة؟ الاعتقاد السائد أنه يرى ان ثمة مشكلة كبيرة ومتشعبة لدى تيار «المستقبل»، يحددها في ما يلي:

ـ «المستقبل» مأزوم، متخبط، يقول الشيء وعكسه. في العلن هجوم ونار على «حزب الله»، وعلى طاولة الحوار برد وتودّد وسلام وتأكيد على ضرورة استمرار الحوار!

ـ مشكلة «المستقبل» الحقيقية ليست مع «حزب الله» بل في بيئته، في ظل تنامي التيارات الإسلامية المتشددة التي جذبت شريحة كبيرة من جمهور «المستقبل». لذلك هو مضطر أن يزايد على رافعي لواء «الدفاع عن السنة» لكي يحفظ موقعه ورصيده الشعبي، ولكي لا يصل الى وقت يجد فيه ان البساط قد سُحب من تحته.

وعرسال اليوم المثال الحي. فواقع البلدة يخبّر عمن يتحكم بها فعلا، ويقيم المحاكم فيها، ومعامل صنع المتفجرات ومستودعات التفخيخ، ويحدد بالتالي حجم الرقعة الشعبية الحقيقية التي يحتلها تيار «المستقبل» فيها. كل ذلك جعل التيار مضطراً لكي يحاول أن يبني موقعه من جديد فيها، عبر الظهور امام «العراسلة» بأنه الحامي لهم والناطق باسمهم.

ـ في الاساس، كانت في يده ورقة طرابلس التي استثمرها سنوات عبر جولات المعارك الـ 20، ثم انتُزعت من يده بقرار خارجي لا يعلم قادة تيار «المستقبل» خلفياته وأسبابه وأصحاب الشأن الحقيقي فيه. وهو اليوم يحاول الاستثمار في عرسال من خلال عدم إنهاء الأزمة فيها، لأنه يخشى من أن انتهاءها سيسحب من يده ورقة يعتقد أنها قوية يمكنه استثمارها في السياسة لتحسين وضعه وموقعه.

ـ في الأساس، هو يريد ان يبقى «حزب الله» مربكاً ومتوتراً، والمجموعات التكفيرية لها الدور الوظيفي والفاعل في توليد التوتر والإرباك. ومن هنا وكما وقف «المستقبل» بالأمس، ضد معركة القلمون التي خاضها «حزب الله» ضد التكفيريين، وراهن على هزيمة مدوية لـ «حزب الله» فيها، يقف اليوم ضد الحزب في عرسال والجرود، والسبب واضح هو ان عرسال وجرودها شوكة في خاصرة «حزب الله» وخاصرة سوريا، ولا يريد تيار «المستقبل» أن يخسر هذه «الشوكة». وأهم من كل شيء عدم تمكين «حزب الله» من تسجيل انتصار، حتى ولو كان هذا الانتصار يريح عرسال والجرود، وحتى ولو بقي التكفيريون في عرسال او الجرود يشكلون عنصر توتير دائماً.

ـ خطورة حسم معركة القلمون اولاً، وتطهير جرود عرسال ثانياً، وترييح البلدة ثالثاً، إن شأن كل ذلك أن يقطع جسر التواصل ما بين تلك المجموعات ومن معها، وبين أخواتها في الداخل السوري. وبالتالي فإن الدور الوظيفي للمسلحين المنتشرين في جرود عرسال على مستوى دعم المعارضة السورية المسلحة وتعزيزها لوجستياً، قد انتهى. ولكم راهن تيار «المستقبل» على هذا التواصل وتقديم الدعم «المتنوع» لتلك المعارضة، عبوراً من عرسال وجردها.