ترتفع بورصة العماد ميشال عون وتنخفض في السوق الحريرية، لكنّ الثابت أنّ الرئيس سعد الحريري ماضٍ في تضييق الخيارات الرئاسية وصولاً الى الخيار الواحد، الذي لم يعد منه مفرّ، تأييد انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
يقترب يومُ الحشر، وسط قناعة حريرية بأنّ زرك «حزب الله» في زاوية رفضه لانتخاب الرئيس، لن يحقق هدفه النهائي إلّا بعد الترشيح الرسمي، ويؤكد هذا الاتجاه أنّ الحزب اختبأ خلف المتراس الأخير مشترطاً، أن يخرج الحريري بالصوت والصورة مؤيِّداً عون، كي يبدأ هو بالعمل الجدي مع حليفَيه الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية، لإتمام جلسة الانتخاب.
في المشهد العام بدأ الحريري يلمس بعض الانجازات التي حققها من خلال تضييق خياراته، أوّل هذه الانجازات نقل الارباك الى ملعب حزب الله، وجعل بري يخرج من كهف الغموض البنّاء، الى الرفض المغطى بالسلّة لخيار انتخاب عون، وثانيها عودة العلاقة الى بعض ماضيها الجميل مع القوات اللبنانية، التي تشجّع الحريري أكثر فأكثر على تبنّي ترشيح عون، باعتباره ضربة معلم، تدفع حزب الله الى كشف آخر ما تبقى له من اوراق.
وفي حين استطاع الدكتور سمير جعجع أن يعبر بقاعدته الى تأييد عون من دون التعرّض لاهتزازات كبرى، فإنّ ما ينتظر الحريري ربما يكون أكبر بكثير، في العلاقة مع قاعدته التي بالكاد ابتلعت ترشيح فرنجية لتفاجأ بالانتقال الى ترشيح عون.
ومع أنّ العلاقة بين القاعدتين العونية والقواتية، كانت أكثر استعصاءً على المصالحة، بسبب العنف الذي مورس في الوسط المسيحي في اواخر الثمانينات، فإنّ إعداد القاعدة المستقبلية لتقبل بفخامة العماد ميشال عون، لن يكون سهلاً، للأسباب التي بات الجميع يعرفها، كما أنّ إضفاء أيّ مصداقية على المرشح الرئاسي، ومشروعه، ومستقبل العلاقة معه، سيكون صعباً هو الآخر، ولن يتمكن عون من استرداد هذه الثقة، بعد عشر سنوات التكفير السياسي.
على الرغم من هذه الصعوبة، يضع الحريري على جدول أعماله تأييد عون قبل الجلسة الرئاسية المقبلة. لن يُفاجَأ الحريري برد الفعل الرافض لقاعدته المستقبلية والسنّية، فهذا امرٌ بات مسلماً به، ويمكن أن يُستوعب بجملة خطوات ومكاسب في المديَين القصير والمتوسط.
سوف تعمل اسفنجة الحريري على امتصاص النقمة، بعد ترشيح عون، وهي تعتمد ترتيب الاوضاع على كّل المستويات مع المملكة العربية السعودية، كما على الاتفاق المسبَق مع عون على معظم تفاصيل شراكة الحكم، وستكون القوات اللبنانية في صلب هذه الشراكة، أما بخصوص الوضع الداخلي في المستقبل، فسيتولّى الحريري إمساكه، من خلال تأمين موافقة أكثرية نواب الكتلة على انتخاب عون، مع ترك الهامش للمعترضين وعلى رأسهم الرئيس فؤاد السنيورة، وهؤلاء لن يتخطّى عددهم الأربعة أو خمسة نواب.
يحضّر الحريري نفسه للقرار الكبير، ولا تغيب عنه حسابات الربح والخسارة، لكنّ المقرّبين يعتبرون، أنّ تبنّي عون، سيؤدّي إما الى انتخابه، باتفاق ملزم يوفر ضمانات لا بأس بها، وإما الى عرقلته من ثنائي حزب الله وبري، وعندها يكون خيارُ ترشيح عون قد حقق مكسب كشف الأوراق المستورة، وأعاد خلط خريطة القوى، التي رُسمت من العام 2005 حتى الأمس القريب.
سيكون الحريري حينها في موقع المتفرّج على اشتباك بين فريقَي عون والقوات من جهة، وحزب الله وحلفائه من جهة ثانية، وينتقل الحريري من موقع الدفاع عن مرمى يستهدفه جميع اللاعبين، الى موقع المتفرّج على مواجهة ستستجدّ بين اللاعبين انفسهم.
اقترب يومُ الحشر، الذي يستعدّ له كلّ من الحريري وحزب الله، بعده لن يكون المجال واسعاً لمناورات جديدة، فإذا مرت الجلسة المقبلة من دون انتخاب رئيس فإنّ خطوات تصعيدية غير عادية سوف تحصل، ومنها الاستقالة من المجلس النيابي، التي يستعدّ نواب «التيار الوطني الحر» لتقديمها، إذا لم ينتخب عون.