لم تكد الرسالة الايرانية الى الولايات المتحدة الاميركية التي تم الكشف عنها خلال اليومين الماضيين، تنتشر عبر الاعلام، بعد اعتراف نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان بأن بلاده حذرت واشنطن من ان «أمن اسرائيل سيكون في خطر في حال سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها للإطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد تحت مسمى محاربة الجماعات المتطرفة»، حتى صعّد «حزب الله» من خطابه في الداخل، عبر اعلان جاهزية الحزب في الجنوب وسوريا دفاعاً عن النظام السوري، محاولاً اقناع جمهوره بأن «النصرة» و«داعش» واسرائيل واحد، وبذلك تكون ايران قد اوصلت الرسالة اللازمة بأن القضاء على بشار الاسد سوف يؤدي الى القضاء على أمن اسرائيل، ومن هذا المنطلق كانت عملية شبعا. هذا في وقت تتأكد فيه الشكوك بأن الاسد، وفق ما اعلنه الرئيس التركي السابق عبدالله غول، اجرى اتصالات مباشرة في العام 2008 برئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت في اطار المفاوضات السرية بين دمشق وتل ابيب تحت عنوان «السلام».
وبما ان ايران تخاف على فقدان قاعدتها العسكرية في سوريا، بعد اعلان التحالف الدولي مكافحة الارهاب وضرب «داعش»، فإن رسالة رئيس جهاز الامن القومي الايراني علي شمخاني كانت واضحة لرئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام، والتي دعته الى التخلي عن «اتفاق بعبدا» والتنسيق مع الحكومة السورية للمساعدة في حل ازمة الحدود والنزوح. وبالطبع فإن الحكومة اللبنانية لن ترضخ لطلبات ايرانية من هذا النوع، وبذلك يكون «حزب الله» مدعواً الى التنفيذ وهذا ما يفسر كلام نائب رئيس الهيئة التنفيذية في الحزب الشيخ نبيل قاووق الذي رفع النبرة عالياً بأن «حزب الله سيكون حيث يجب ان يكون»، مدعياً انه «قدّم للبنانيين استراتيجية دفاع وطنية (الجيش والشعب والمقاومة) تحمي لبنان ونحن لن نقصر». وأكد «لا تنقصنا الجرأة على حسم المعركة كما حسمناها في القصير ويبرود»، متوجهاً الى التكفيريين وحلفائهم في الجيش الحر بالقول: «سنهزمكم وسنسحقكم».
وبعد ان سأل هل المطلوب ان نتفرج ليجربوا حظهم في بريتال وعرسال، اكد تطلّع الحزب الى اكمال المعركة والانتصار.
وفي كل هذا الكلام يتجاهل «حزب الله» الذي تغنى بالجيش اللبناني «لغاية في نفس يعقوب» في عرسال، ثم عاد ليتراجع ويشكك بدوره، انه يسعى مجدداً الى الفتنة في عرسال ويضرب عرض الحائط بكل قرارات الاجماع الوطني على دعم الجيش اللبناني كقوة شرعية وحيدة على الارض لمعالجة الوضع الامني وحماية لبنان، وينفرد من جديد بقرار الحرب والسلم داخلياً وخارجياً من سوريا الى لبنان الى اسرائيل، وهو ما يوجب ربما التعامل بجدية مع هذه «العنتريات» التي ستوصل البلاد الى آفاق مسدودة وتجعل من لبنان ساحة لاستقدام الارهابيين وتنفيذ اجندتهم التي يحكى عنها ويحذر منها «الحزب الالهي» بالذات لغاية وحيدة هي حماية بشار الاسد.
حوري: الجيش مسؤول حصراً عن حماية اللبنانيين
ويعلّق عضو كتلة «المستقبل» النائب عمّار حوري على كلام قاووق وتهديدات «حزب الله» بالقول إن «حزب الله» لا يزال غير مؤمن بمنطق الدولة وفي مراحل متفرقة، اعتقدنا أنه يؤمن بوجود السلطتين، أي سلطة الدولة وسلطته. ولكن على ما يبدو ومن خلال ما يقول قاووق وغيره، يؤكد أن الحزب يؤمن بسلطته الحصرية فقط على كامل الأراضي اللبنانية، وهو لم يعد يقيم أي وزن أو اهتمام للجيش اللبناني أو للقوى الأمنية».
ويؤكد «نحن مقتنعون ومصممون على إيمان لا يتزعزع بالجيش وبالقوى الأمنية حصراً لحماية اللبنانيين سواء على الحدود أو في الداخل، «حزب الله» في مرحلة من المراحل قاد مقاومة ضد العدو الإسرائيلي ومنذ أن انحرفت بندقيته عن اتجاهها الأساس دخلت في مستنقعات مختلفة وأهم تلك المستنقعات المستنقع السوري».
ورأى أن «المنطق الذي يفيد في هذه المرحلة هو منطق الدولة والاتحاد حول هذا المنطق ودعم الجيش اللبناني، وأعتقد أن أهم شيء يمكن أن يقوم به حزب الله تجاه الجيش اللبناني هو تسليمه كامل سلاحه ليصبح بعهدة الجيش أو بالحد الأدنى، تسليم الجيش اللبناني إمرة هذا السلاح ليتمكن من تعزيز خطواته».
ويضيف: «قرار الحرب والسلم دستورياً هو بيد الدولة وحين شكلت هذه الحكومة جرى خلاف حول موضوع ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» وتم حسم الأمر بحيث أنها لم تدرج في البيان الوزاري وبالتالي لم تعد قائمة وموجودة دستورياً، وقد اتفق أعضاء الحكومة وأقروا بأن أي توجه يجب أن يحظى بإجماع كل الأعضاء. لذلك فإن حزب الله مطالب بإعادة قراءة البيان الوزاري من جديد وإعادة تأكيد التزامه بما تم الاتفاق عليه بدءاً من إعلان بعبدا الذي تخلى عنه وصولاً إلى مقررات الحكومة الحالية».
وأكد «منطقنا هو منطق الدفاع عن لبنان ولسنا في وارد الدفاع عن الإرهابيين. وقد استمعنا بالأمس إلى اللهيان الذي قال إن سقوط الأسد سيلهب إسرائيل ويهز أمنها، بمعنى آخر الإيرانيون يقولون إن نظام بشار الأسد هو الضامن لأمن إسرائيل. وطالما هذا هو المنطق، أعتقد أن على «حزب الله» الإسراع بهز أمن إسرائيل من خلال وضع يده مع الثوار السوريين».
المعلوف: الاستراتيجية الدفاعية سقطت
من جهته، يقول عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جوزف المعلوف أن «حزب الله يضرب عرض الحائط بوجود الدولة ككل، وكأن لا وجود للدولة ولا لأي سلطات فيها، كما أنه يلغي كل الشركاء في الوطن، وكأن الوطن بيده فقط وهو وحده قادر على التصرف بشعبه ومصيره. حزب الله يتصرف على هواه عبر التمسّك باستراتيجية دفاعية سقطت كونها لم تعد استراتيجية وطنية وإنما استراتيجية تحمي سلاح الحزب. وكنا نتحفظ عليها ولذلك لم يوافق عليها فريق 14 آذار لدى تشكيل الحكومة الحالية التي أسقطت من بيانها الوزاري مقولة «الجيش والشعب والمقاومة» ولم تعد الأطراف اللبنانية تتبناها وبالتالي فقدت نصابها الوطني».
ويعتبر أن «محاولة حزب الله استعادة هذه الاستراتيجية في خطابه إثبات أن أي توافق معه أو أي تلاق ممكن أن يحصل حول بعض الأفكار يبقى حبراً على ورق، فالحزب يتخلى عن كل ما يتم الاتفاق عليه عندما يناسبه الأمر».
ويأسف «لأن حزب الله لم يصل إلى مكان يعرف فيه أن هناك دولة اسمها لبنان وأن هناك كياناً عليه الاستمرار وأن هناك شركاء في الوطن لا يزالون حتى اليوم يحاولون مدّ اليد له للوصول إلى شراكة حقيقية، بينما فعلياً فإن هذا الحزب يضرب كل مبادئ هذه الشراكة والكيان اللبناني ويتبرأ بشكل مطلق من كل السلطات الشرعية السياسية ولا يحترم القوى العسكرية ويتصرف عكس الكلام الذي تقوله قياداته حيناً لتعود مرة ثانية وتقول عكسه تماماً».
ويؤكد أن «استمرار حزب الله في استكباره وتعنته ليس دليل قوة بل دليل ضعف. وأتمنى أن يعي قريباً أن القوة هي في توحيد الوطن والتصدي فعلياً للأخطار وليس لأخذه إلى غياهب المجهول مثلما فعل في العام 2006».