في السابع والعشرين من الشهر الماضي دخلت إيران بشكل جدي وفعلي مع حركة «أحرار الشام» الفصيل السوري المسلح، في مفاوضات سياسية سرية في اسطنبول برعاية تركية تتعلق بإيجاد حلول لمدينة الزبداني في ريف دمشق والتي يُحاصرها النظام السوري و»حزب الله» ولبلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب اللتين تتشارك الحركة في حصارهما مع عدد من الفصائل المسلحة على رأسها «جبهة النصرة»، ضمن اتحاد عسكري هو «جيش الفتح».
ولكن في منتصف الأسبوع الحالي، أعلنت حركة «أحرار الشام» وبشكل مُفاجئ في بيان «توقف المفاوضات مع الوفد الإيراني نظراً لإصرارهم على تفريغ الزبداني من المقاتلين والمدنيين وتهجيرهم إلى مناطق أخرى»، لتتكشف على الأثر معلومات تُفيد عن طرح المفاوض الإيراني جملة حلول لأزمة الزبداني و»الفوعة» و»كفريا»، منها، سماح الفصائل لأهالي البلدتين الشيعيتين بالانتقال إلى الزبداني السُنية، بعد مغادرة المسلحين والأهالي لها بإتجاه بلدتي مضايا أو بلودان القريبتين من الزبداني أو باتجاه الفوعة وكفريا بعد إجلاء أهليها، وهو ما اعتبرته الحركة يصب في مصلحة المشروع الإيراني الهادف إلى تقسيم سوريا طائفياً ومذهبياً.
«حزب الله» المعني الأساسي في معركة الزبداني لم يكن بعيداً عن هذه الأجواء ولا عن المخطط أو حلول التقسيم التي طرحها الإيراني خلال التفاوض، وهو الذي كان مهد لهذه اللحظة منذ احتلاله لبلدة القصير وتهجير أهلها ومنع عودتهم لغاية اليوم ما عدا قلّة من المسيحيين الذين يسكنون في حي النصارى القريب من كنيسة البلدة، زاد حمم نيرانه على الزبداني وقصفها من البر والجو بمساعدة طائرات النظام وبدأ يُشيع عبر الإعلام عن قرب سقوطها بهدف الضغط على الثوار للقبول بالطروح الإيرانية، لكن هذا الضغط قوبل بضغط مماثل استهدف جميع النقاط والمراكز التابعة لجيش النظام وحلفائه داخل «الفوعة» و»كفريا» كرد على التهويل ما أعاد المفاوضات إلى نقطة الصفر بانتظار أن يُقدم الجانب الإيراني حلولاً جديدة.
ما يجري اليوم من مُخطّطات كانت قيادة «حزب الله» وضعت جميع كوادرها وعناصرها في سوريا ولبنان في أجوائها منذ أربعة أشهر تقريباً، مؤكدة لهم استحالة السيطرة على الوضع الميداني السوري برمّته أو حتى استرجاع مناطق وبلدات كانت قد سقطت بأيدي الثوار، ودعتهم يومهاً للانتقال إلى (الخطة ب) وهي الاستماتة في الدفاع عن البلدات الواقعة على الحدود اللبنانية من القصير إلى القلمون فالزبداني التي يعتبرها الحزب اليوم أول خطوة في آخر مرحلة ستنتهي في الغوطة الشرقية لتفريغ دمشق ومحيطها من الوجود السُني، وهذا يُمكّنه من فرض واقع ديموغرافي جديد على حدوده يُمكن أن يستوعب في وقت لاحق أهالي بلدتي «نُبل والزهراء» الشيعيتين في ريف حلب وغيرهما من أهالي القرى والبلدات الشيعية التي تقع ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار وبذلك يكون قد تحقق المشروع الإيراني الرامي إلى تقسيم سوريا إلى مقاطعات مذهبية.
تعترف قيادة الحزب بأن ما تواجهه اليوم في الزبداني يفوق أضعاف ما كانت واجهته في دمشق والقلمون المؤجلة فيها معركة الحسم إلى وقت لاحق، فهي تواجه اليوم ما يُقارب 1500 عنصر جميعهم من أبناء البلدة، وازدادت حماستهم للقتال وإصرارهم بعد تبلّغهم نيّة «حزب الله» وإيران تهجيرهم من بلدتهم، حتّى أنهم حوّلوا ركام منازلهم المدمرة، إلى متاريس مرصوصة وحفروا الأنفاق تحت أرضهم المحروقة والتي تتيح لهم اعتماد الهجمات المباغتة وهذا ما يجعلهم يُكبدون الحزب والنظام خسائر كبيرة خصوصاً أنهم باتوا يستعدّون اليوم لحرب استنزاف طويلة تُشبه سنوات وتقلبات معركة القلمون.
تختصر معركة الزبداني في هذه المرحلة ربما، عنوان الصراع الحاصل في سوريا بين إيران والنظام و»حزب الله» من جهة، وبين الفصائل السورية المسلحة من جهة أخرى، وهي حرب يسعى من خلالها كل طرف إلى تحقيق مكاسبه الخاصة، ومن المكاسب التي يمكن أن يُحققها الحلف الذي تقوده إيران، جعل تقسيم سوريا أمراً واقعياً بعد سيطرته على دمشق والساحل السوري كتعويض عن المدن والأرياف التي سقطت بأيدي المعارضة، وما يشهده الساحل السوري من حركة نشطة في شراء أراضٍ وعقارات تحديداً في مدينة اللاذقية وذلك بغطاء من السفارة الإيرانية في سوريا وبدعم من رجال إعمال إيرانيين، خير دليل أن المشروع الإيراني مكمل في طريقه عبر خطين متوازيين، العسكري والتفاوضي.
من جهتهم، تنبّه الثوار لمثل هذا المخططات، فبدأوا منذ يومين حملة تطالب بالوقوف معهم في وجه مشاريع «صفوية إيرانية» وتمددها في سوريا، كما طلبوا المساعدة من علماء سوريا والوقوف إلى جانبهم في مقاومة ومهاجمة ما وصفوه بـ»المشروع الاحتلالي»، ودعوا الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه نية إيران البدء بعملية التقسيم الطائفي، أو ما يعرف بـ(الخطة ب).