هل باتت المنطقة، ولبنان من ضمنها على شفير حرب؟ سؤال يتردّد بقوة منذ تعيين الجنرال الإسرائيلي آفيف كوفاخي رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي، منتصف كانون الثاني خلفاً لرئيس الأركان السابق الجنرال غادي ايزنكوت.
مبعث السؤال ما كشفته وسائل الإعلام العبرية، من أنّ إحتمالات الحرب التي كانت متراجعة منذ حرب تموز 2006 تقدمت مع تعيين كوفاخي، وثمة تقارير عسكرية اسرائيلية تعرض في مضمونها ما سمّته «توجهَ كوفاخي»، الذي يقوم على أساس وحيد، وهو «بناء جيش اسرائيلي جديد قادر على تحقيق انتصارات عسكرية سريعة وحاسمة وواضحة، لا يُشكُّ فيها».
بالفعل، بعد نحو شهر على تعيينه، عمد كوفاخي، الى اطلاق ما سُمِّيت «ورشة الانتصار» بدأت أعمالها بداية آذار الجاري في قاعدة «غليلوت» شمال تل أبيب، بمشاركة كبار الضباط الاسرائيليين، وكشفت الهدف منها صحيفة «يسرائيل هيوم» الاسرائيلية بقولها «إنّ ضباط الاركان وكبار الجنرالات سيناقشون «مفاهيم الانتصار» وكيفية هزيمة العدوّ». وأمّا الهدف المركزي لهذه الورشة، كما تحدده الصحيفة، هو «تجاوز السنوات الماضية التي ازدادت خلالها صعوبة تحقيق «انتصار واضح»،وتحديدا على «حماس» و»حزب الله». وهذا التجاوز يوجب إنشاء العديد من الفرق في الجيش الاسرائيلي، ضمن خطة جديدة، تُوضع اللمسات الاخيرة عليها بحلول تموز المقبل. على ان تقدّم الى الحكومة الاسرائيلية بعد انتخابات الكنيست، المقرّر أن تجرى الشهر المقبل.
يتواكب ذلك مع نقاش داخل اسرائيل بين معسكرين:
– الاول، يصفه الاعلام الاسرائيلي بالمتحمس للانتصار الحاسم، خصوصا على «حزب الله»، الذي راكم منذ إمكانيات تسليحية كبيرة تشكل تهديداً كبيراً لإسرائيل. ومعلوم ان الحزب اجتاز في 2006 مواجهة قاسية مع إسرائيل وفرض ثمناً باهظاً عليها، ولتدارك هذا الثمن يتوجب على الجيش أن يستعدَّ لمواجهة عسكرية ترتكز على فهم نوايا «حزب الله» وعلى توجّهٍ لشنّ حرب قصيرة الأمد، ومنع «حزب الله» من استنزاف إسرائيل في حرب طويلة الأمد».
– الثاني: يشكك في قدرة الجيش الاسرائيلي على تحقيق «انتصار واضح» ويرى صعوبة في تحقيقه، خصوصا أنّ هذا الحزب وكما هو مدرك لنقاط قوة إسرائيل، فهو مدرك أيضاً لنقاط ضعفها، ولا سيما:
– الحساسية الشديدة في ما خصّ المصابين والخسائر البشرية.
– عدم رغبة إسرائيل في خوض معارك طويلة الأمد.
– الحاجة الى تحقيق نصر حاد وواضح.
– إفتقاد الجبهة الداخلية الى «الحصانة الكاملة» التي تبعدها عن صواريخ «حزب الله» التي اعلن الحزب انها تطال كل إسرائيل. ومن هنا جاء كلام الامين العام لـ»حزب الله»، بأنّ إسرائيل اشبه ببيت العنكبوت، وغير قادرة على تحمّل الخسائر».
في تقدير الجهات المشككة، أنّ «حزب الله» سعى منذ 2006 الى تطوير قدراته وراكم تجربة قتالية كبيرة في سوريا، وهو قادر على أن يستعمل أطر محاربة أكبر، على حد تعبير ضابط في شعبة الاستخبارات العسكرية، الذي يضيف أنّ التقديرات تشير الى أنّ «حزب الله» غيّر استراتيجيته وهدفه الأساس، هو تقصير أمد أيّ مواجهة، وفرض وقائع على الارض، ومحاولة نقل المعركة الى الداخل الاسرائيلي، إذ قد يبادر الى هجوم مفاجئ لإنهاء الحرب قبل أن تبدأ بالفعل، وسبق له ان اعلن أنّ الجليل هي ساحة المعركة المقبلة، وأمين عام «حزب الله» قال بكل وضوح أنه سيأمر قواته باقتحام الجليل.
ماذا في الجانب اللبناني؟
على مستوى الدولة إسترخاء وقراءات تعتبر الحرب الإسرائيلية احتمالاً ضعيفاً.
على مستوى بعض السياسيين، إقرار بأنّ خطر نشوب حرب اسرائيلية على لبنان قائم، وذلك نتيجة لعدم الاستقرار العام في المنطقة.
أما على مستوى «حزب الله»، فهو، كما يقول بعض قياديّيه «مدرك لما تحضّر له إسرائيل، ويقارب ما أعلنه أو يحضّر له رئيس الأركان الاسرائيلي، بما يتناسب معه، واضح أنهم يحضّرون لحرب بصرف النظر عمّا إذا كانت قريبة او بعيدة، ولكن في مطلق الاحوال، فإنّ جهوزية المقاومة قائمة وحاضرة لكل الاحتمالات وردّ أيّ عدوان».
وأمّا تقديرات أحد الخبراء العسكريين تلحظ الآتي:
– إسرائيل درجت منذ العام 2006 على إجراء سلسلة مناورات عسكرية وقرنتها بتهديدات متتالية تجاه «حزب الله» ولبنان من دون أن يؤدي ذلك الى الدخول في حرب.
– عندما تشعر أنها قادرة على شنّ حرب تؤدي الى الانتصار على «حزب الله»، لن تتأخر لحظة عن شنّها. ولكن حتى الآن لم يتوفر لها ذلك، وحديث المستوى العسكري الاسرائيلي عن حرب وانتصارات هدفه إبقاء ثقة الاسرائيليين قائمة بالجيش، وفي الوقت نفسه إرسال رسائل الى «أعداء اسرائيل»، بأنّ اسرائيل قوية وتمتلك قوة الردع والتفوّق.
– التقديرات العسكرية – الغربية وبما فيها الاسرائيلية، تتقاطع عند نقطة واحدة، وهي صعوبة تمكّن اسرائيل من الانتصار على «حزب الله». وبالتالي إندلاع الحرب في ظل الموازين القائمة، سيؤدّي حتماً الى «خسائر مهولة» في الجانبين اللبناني والإسرائيلي، أي حرب تشبه حرب تموز 2006 ولكن «على مكبّر».
– الملاحظة الأهم، هو أنّ قرار أي حرب اسرائيلية يتطلب غطاءَ وموافقة الولايات المتحدة الاميركية، وحتى الآن واشنطن لا تريد الحرب، لأنّها، أي الحرب قد تحدث تغييرات ووقائع لا تريدها واشنطن أو ترغب بحصولها.
الواضح حاليا، والكلام للخبير العسكري، ان الولايات المتحدة تؤثر، حتى الآن، القيام بحرب من نوع آخر على ايران، بفرض عقوبات قاسية عليها، وعلى «حزب الله» عبر إجراءات وعقوبات تؤدي الى إضعاف هذه الظاهرة وخنقها. وفي الخلاصة لا يبدو أنّ واشنطن بصدد تغيير سياستها هذه في هذه المرحلة.